حمدى رزق

«صديقك من صَدَقَك، لا من صدَّقك»، الصديق الحقيقى هو الشخص الصادق معك

وفق هذه القاعدة المستقرة فى الضمير الجمعى، وبصدق أقولها لحكومة الدكتور مصطفى مدبولى، أخشى من الخشية الوطنية تبعات مشروع قانون الإيجار القديم الذى يناقشه مجلس النواب.. سيخلف فتنة مجتمعية، مستوجب التوقى منها، الفتنة نائمة.

 

مش وقته خالص، هذا قانون (فتنة)، متربص به من الطرفين (ملاك ومستأجرين) وللأسف آخرون متربصون يضمرون شرا لهذا البلد، راجع قنوات «إخوان الشيطان» يبخون سما فى آنية الوطن بمواد هذا القانون.

 

قانون مستفز، يستثير نوازع شريرة مكتومة، ويمس أوضاعا مجتمعية مستقرة منذ عقود خلت، ويخلخل السلم المجتمعى من أساساته، قانون ريحه تقيل، خشت منه حكومات سبقت، جد، مش مرتاح لهذا القانون ومثلى كثير متشائمون منه.

 

القاعدة الفقهية المستقرة تقول «درء المفاسد أولى من جلب المصالح»، والمراد بدرء المفاسد دفعها ورفعها وإزالتها. فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة، فدفع المفسدة مقدم فى الغالب.. أخشى القانون سيخلف مفسدة، ولن يجلب منفعة، لن يحل المشكلة المزمنة.. قد يفاقمها.

 

ما هكذا تُورد الإبل، ما هكذا تُصاغ القوانين، النواب فى مجلس النواب يسابقون أنفسهم لإقرار قانون مختلف عليه، قسمة مجتمعية حول القانون، القوانين لا تهبط هكذا إذ فجأة على طريقة الصدمة ما يخلف رعبا يترجم قلقا، الناس فى قعور البيوت قلقانة من تطبيقات هذا القانون الآن وبعد خمس سنوات.

 

المشاكل المزمنة كالأمراض المزمنة تحتاج علاجات مستدامة تطول، وعلى مراحل، وفترات نقاهة، حتى لا ينتكس القانون تحت وطأة الرفض المجتمعى.

مع تقديرى الكامل لحقوق الملاك، وتعاطفى مع مطالبهم العادلة فى زيادة الإيجارات، لكن هذا القانون فى شقه الآخر (الإخلاء بعد خمس سنوات) سيقلق أوضاعا مستقرة، وسيعصف بأمان عائلات مستورة، وسيكشف عورات مجتمعية مستوجب سترها فى ظرف اقتصادى ضاغط.

 

مهم قبل إقرار القانون فى مواد جامدة، دراسة الأوضاع المجتمعية للبيئة الحاضنة التى سيستزرع فيها القانون، الأرض متحركة، زلقة، لا تتقبل قانونا كهذا فى توقيت هكذا.. مهم اختيار التوقيت المناسب لإنضاج القانون.

 

المستأجرون كالملاك طبقات ومستويات، هناك الميسورون، والمستورون، ومن هم على فيض الكريم، مهما كان كرم الحكومة وعطفتها على المتعففين منهم، لن تعوض عليهم، الناس مستورة بين أربعة جدران لا تكشفوا سترهم.

 

فحسب افتحوا الشقق المغلقة بالقانون، تعود لأصحابها (الملاك)، حل يرضى قسما من الملاك ويعوض عليهم، ولا يضير المستأجرين (الميسورين) لأنهم فى غنى عنها، فضلا تحريك الإيجارات بزيادات مهضومة وعلى سنوات، وبنسب زيادة معقولة، مراعاة للبعد الاجتماعى الغائب عن ذهنية المشرع.

 

مثل أمريكى ذائع عالميا يقول «القوانين اللينة لا تتبع.. والقوانين القاسية لا تطبق»، فى حاجة إلى قانون بين بين، لا هو لين فيظلم الملاك، ولا هو قاسٍ فيرفضه المستأجرون، قانون يتسم بالمواءمة المجتمعية، ويعلى السلم المجتمعى على ما سواه من مصالح (قاعدة درء المفسدة).

 

 

خلاصته، افعل كل شىء فى وقته لأن فعل شيئين فى وقت واحد سيؤدى إلى خسارة الشيئين معا، والمعنى يمكن الاكتفاء بزيادة الإيجار حاليا، وهذا مطلوب من الملاك، ولا يرفضه المستأجرون، ويؤجل الإخلاء القسرى لوقت آخر يكون مواتيا، والمجتمع مهيأ والحكومة أكثر استعدادا لمواجهة ارتداداته المجتمعية.

نقلا عن المصرى اليوم