بقلم - عبد الرحمن ناصر
ـ في مارس من العام ٢٠٢١، كانت هناك واقعة في مصر هزت الرأي العام وقتها، ذاك شاب متدين، اكتظ حسابه الشخصي على فيس بوك بالأدعية والأحاديث والآيات القرآنية، ثم صورة كبيرة للبروفايل الشخصي، استخدم فيها صورًا للحرم المكي الشريف.
ذاك الشاب هو بطل الواقعة، لكنه ليس بالبطل المنقذ، بل الحقير والمريض.
 
على الجانب الآخر، كان هناك بطلة مصرية حقيقية، وكأنها محاربة من أزمنة قديمة.
كانت امرأة حديدية بقلب مئة رجل، ألا وهي السيدة الفاضلة "أوجيني أسامة" التي وصفت نفسها عبر صفحتها بأنها سيدة كالشمس، وربما كالقمر من وجهة نظري.
تلك السيدة المصرية المسيحية لم تفكر ولو للحظة واحدة:
هل الطفلة المعتدى عليها مسلمة أو غير مسلمة؟
 
أوجيني لم تفكر في حياتها الشخصية، وهل يحمل الجاني سلاحًا؟ لكنها فكرت في إنقاذ الطفولة قبل أن تُقتل، وتموت براءتها، وتُدهس مشاعر تلك الزهرة الصغيرة.
خرجت أوجيني من معملها كأسد لا يخشى الضباع، أنقذت الطفلة، ثم سلّمت الجاني للعدالة بعد فضحه، لتخلّد ذكراك يا أوجيني في قلب الوطن وللأبد.
 
هنا كانت الضحية مسلمة والمنقذ سيدة مصرية مسيحية.
 
ـ في الشهر الماضي، وتحديدًا شهر رمضان المعظم، جاءت الواقعة الأكثر شهرة.
سيدة تفترش الأرض ببعض الخضروات لتجلب لعائلتها مالًا زهيدًا بالكاد يكفيها، تلهو طفلتها حولها، وهذا شيء عادي جدًا إلى الآن. إلا أن الطفلة أرادت الذهاب لقضاء حاجتها، ولحظها العاثر تقع فريسة في براثن كلب بشري عقور، يترصدها بحمام المسجد الخارجي، لينتهك براءتها وعرضها معًا، ويلقي الأهالي القبض عليه متلبسًا بجريمته التي آلمت الجميع.
 
ـ في الأسبوع الفائت، انتشرت أخبار الطفل "ياسين" لتسري في ربوع الوطن كما النار في الهشيم.
ذاك العجوز المريض بالبيدوفيليا يتحرش بطفل بأحد المدارس، وهذا شيء شنيع لا يجب أن يُغتفر أبدًا. استغل صيادو الأحداث تلك الواقعة ليصوروا للجميع أن الأمر هو فتنة طائفية، ولتحويل الأمر من جريمة نكراء إلى حدث طائفي، لأن الضحية مسلم.
 
فماذا لو كان العكس؟
ـ نحن هنا أمام جريمة مكتملة الأركان، جريمة أخلاقية يعاقب عليها القانون بأحكام مشددة، ووسائل ردع أكثر نجاعة، وعلاج نفسي للجاني والمجني عليه معًا.
 
يعاقب كل من رأى، وكل من سمع، ولم يراع ضميره في رعيته. فالأطفال في فترة الدراسة هم رعايا المدرسة، والجميع مسؤولون عن ذلك.
 
إن الحدث هنا ليس طائفيًّا، ولا يمت للطائفية بشيء، لأن المريض بالبيدوفيليا كل ما يعنيه أن يمارس شذوذه، ولا يعنيه هوية أو خلفية الضحية الدينية.
 
في النهاية، أرجو تشديد القوانين، ووجود وسائل حماية أكثر فاعلية، وأساليب ردع أكثر جدوى. وعلى الإعلام، والمدرسة، والأسرة، والمصحات النفسية، التكاتف من أجل حماية الأطفال، وممارسة دور أكبر في معركة الوعي، والنصح، والإرشاد، والتأهيل.
 
حفظ الله مصرنا الحبيبة من كل سوء.