بقلم/ ماجد كامل
تحتفل كنيستنا القبطية خلال هذا الشهر بعيد القيامة المجيد ؛ ولعيد القيامة معني خاص جدا في الكنيسة ؛ لهذا لقبه الآباء بعيد الأعياد ؛ فهو العيد الوحيد الذي يستمر الاحتفال به لمدة خمسون يوما متصلة ؛ ونحن في هذا المقال سوف تنتاول القيامة ليس من الزاوية اللاهوتية والعقائدية ولا حتي الروحية ؛ ولكننا سوف تنتاول المعني الثقافي والحضاري للقيامة . فالقيامة تعني النهضة من بعد السقوط ؛ ولقد عاشت أوربا قوة القيامة حين عاشت عصر النهضة الأوربية من بعد عشرة قرون من الجهل والظلام فيما عرفت في التاريخ بالعصور المظلمة Darkness Ages؛ فلما جاء عصر النهضة الأوربية شهدت البشرية نهضة عظمي في مجال الفنون متمثلة في أعمال مايكل أنجلو (1475-1564 ) . وليوناردو دافنشي ( 1452- 1519 ) ) ورافائيل سانزيو( 1483- 1520) وفي مجال الشعر نجد أعمال دانتي ( 1265- 1321 ) الذي يعتبر أول شاعر إيطالي يكتب باللغة اللاتينية ؛ وبترارك ( 1304- 1374 ) . وبوكاتشيو ( 1313- 1375 ) . وفي مجال العلوم نجد العالم البولندي نيقولاس كوبرنيكس ( 1472- 1543 ) والعالم الايطالي جاليليو جاليلي ( 1564- 1642 ) . كما شهدت المناهج العلمية وطرق التفكير نهضة كبري علي يد كل من رينيه ديكارت (1596- 1650 ) وفرنسيس بيكون ( 1561- 1626 ) فترتب عليها التقدم العلمي المذهل الذي شهدته أوربا في القرنين السادس عشر والسابع عشر ؛ ومن أبرز رموز هذا التقدم العالم الانجليزي أسحق نيوتن (1642- 1727 ) والعالم الفرنسي لويس باستير ( 1828- 1884 ) . وأمتدت هذه النهضة إلي مجال الصناعة فعاشت أوربا ما عرف بالنهضة الصناعية ؛ وكان من أبرز رموزها المخترع الانجليزي جيمس وات( 1736- 1819) الذي يعتبر أول من أكتشف قوة البخار من خلال مراقبته لغطاء أبريق الشاي وكيف يرتفع لفوق وهو يغلي ؛ فأكتشف بذلك قوة البخار ؛ فعاشت أوربا ما عرف ب"عصر البخار " . والمخترع الأمريكي توماس أديسون ( 1847- 1931 ) صاحب ال 1200 أختراع ؛ أشهرها بالطبع المصباح الكهربائي .
كما شهدت البشرية شكل آخر من أشكال القيامة من خلال الثورات الكبري التي شهدتها البشرية . كما شهدت البشرية قوة القيامة من خلال تحررها من قوي الأستعمار الغاشم خلال القرن العشرين ؛ وعاشت الهند قوة القيامة علي يد زعيمها الروحي "غاندي" ( 1869- 1948 )، وكفاحه السلمي للتخلص من حكم الاستعمار البريطلني حتي استقلت ؛وامتد اثر هذه القوة التي للقيامة في كل الشعوب التي تخلصت من كل اشكال الاستعمار او الاحتلال او الانتداب ؛ ولقد عبر شاعر الهند الكبير رابندرات طاغور ( 1861- 1941 ) عن حلم النهضة لبلاد الهند بعد تحررها من الاحتلال البريطاني بقوله " حيث الفكر الذي لا يعرف الخوف ؛وحيث الرأس يرتفع كريما عاليا وحيث المعرفة حرة ؛والعالم لا يعرف التمزق والانغلاق داخل جدران ضيقة ؛ وحيث الجهد الانساني المتواصل يمد ذراعيه من اجل الكمال . وحيث يارب تقود عقولنا الي الامام نحو افكار واعمال تزداد رحابة علي الدوام .في ذلك الجو من الحرية . اجعل يارب بلدي ينهض ويقوم "ويقول ايضا في قصيدة اخري تعبر عن تجدد الامل في داخله " كنت أظن أن رحلتي قد أوشكت على النهاية وأن قواي قد بلغت غاية الانهاك وأن الطريق مسدود . وان زادي قد انتهي .وانه ربما حانت ساعة الانسحاب الى الصمت و الظلام ولكننى اكتشفت ان ارادتك يا ألهى لم تحدد نهاية لي فعندما تموت الكلمات القديمة تتدفق أنغام جديدة على القلب. وحين تضيع المدن القديمة يبدو فى الافق بلد جديد رائع ".
ولقد عاشت مصر قوة القيامة في نهضتها الحديثة خلال ثورة 1919 . وعبر عن هذه النهضة الاديب الكبير الاستاذ توفيق الحكيم ( 1898- 1987 ) إذ يحدد شهر مارس 1919 "شهر اندلاع الثورة" كنقطة تحول كبري في التاريخ المصري الحديث فمثلما كان شهر مارس هو شهر الربيع واعادة الحياة للزهور هكذا كان شهر مارس 1919 هو شهر البعث واعادة الحياة للوطن ؛ ولقد كتب الحكيم رائعته الخالدة "عودة الروح" ليعبر عن عودة الروح للوطن بعد سنوات طوال من الاحتلال .ففي مقدمة الجزء الثاني من الرواية يقتبس الحكيم هذه العبارة من كتاب الموتي حيث يقول (انهض انهض يااوزيريس .انا ولدك حورس .جئت كي اعيد اليك الحياة) وجاء في الرواية ايضا (أمة آتت في فجر الانسانية بمعجزة الاهرامات ؛ لن تعجز عن الاتيان بمعجزة اخري او معجزات .امة يزعمون انها ميتة منذ قرون ؛ ولا يرون قلبها العظيم بارزا نحو السماء من بين رمال الجيزة .لقد صنعت مصر قلبها بيدها ليعيش الي الابد) .وجاء بعده الاديب الكبير الاستاذ نجيب محفوظ ( 1911- 2006 ) ليعبر عن مصر الجديدة في رائعته الشهيرة "بين القصرين" وعلي لسان بطل الرواية فهمي عبد الجواد حيث يحلم بوطن جديد ؛وبيت جديد ؛واهل جدد يتدفقون جميعا حيوية وحماسا . وعندما يحذره شقيقه ياسين من الموت برصاص الانجليز يرد عليه قائلا(سيان عندي أن أحيا أو أن أموت ؛الإيمان أقوي من الموت .والموت أشرف من العيش ذليلا ) ثم يضيف في موضع اخر من الرواية (فليقتلوا ما شاءت لهم وحشيتهم فلن يزيدنا الموت الا حياة) .
وفي خلال هذه الحقبة من التاريخ المصري ينحت مثال مصر العبقري محمود مختار ( 1891- 1934 ) تمثاله الشهير "نهضة مصر" القابع الان في ميدان الجيزة .ويتم رفع الستار عنه في شهر مايو 1928
فيكتب الكاتب الصحفي الاستاذ عبد القادر حمزة( 1880- 1941 ) مقالا هاما في جريدة البلاغ الاسبوعي يقول فيه( وليس هذا التمثال دلالة علي النهضة السياسية وحدها ولكن علي النهضة شاملة بوجهاتها السياسية والاجتماعية والفكرية فلا ريب أن الأمة حين نهضت في سنة 1919 بزعامة المغفور له سعد باشا تطالب بحقها واستقلالها فقد نفضت عنها الخمول وشرعت تطلب الرقي في جميع نواحيه) ويستلهم الكاتب الكبير الاستاذ سلامة موسي (1887-1958 ) هذه الروح التي حلت بمصر فيكتب سلامة موسى ( 1887- 1958) كتابا هاما وشهيرا له بعنوان "ما هي النهضة؟ " كما يكتب الكاتب الكبير الاستاذ الدكتور لويس عوض ( 1915- 1990 ) عوض روايته الوحيدة المنشورة وهي "العنقاء" (والعنقاء طائر خرافي تقول الاساطير عنه انه يخرج من رماده بعد موته بيضة طائر آخر جديد . ولقد اتخذه الفنان القبطي رمزا للقيامة لهذا السبب) .