أحمد الخميسي 

لابد أن هناك سرا عميقا في فيس بوك بحيث يستخدمه أكثر من أربعين مليون مصري، أي نحو ثلث الشعب، كما يستخدمه نصف سكان الأرض حوالي ثلاثة مليارات شخص. ويترسخ يوما بعد يوم هذا الارتباط مع فيس بوك وغيره، خاصة بعد أن أصبح الهاتف المحمول يشتمل على كل شيء.
 
وتتناول قصة " بتر غير مرئي" للكاتب خوان خوسيه مياس العلاقة بين الانسان والتكنولوجيا التي تكاد أن تصبح علاقة عضوية، فيقول على لسان الراوي في القصة:" انتبهت وأنا في ممر أحد الأسواق أنني فقدت تليفوني المحمول.. تصببت عرقا.. وانتابني شعور بالاستغراب والحيرة كأنني تعرضت للتو لبتر عنيف .. فتشت جيوب المعطف دون أي نتيجة تذكر.. لقد بتر تليفوني المحمول.. ولن أبالغ إذا قلت أن تليفوني كان عضوا اضافيا بجسدي تم بتره من دون نزيف أو جرح".
 
ولابد أن فيس بوك يستجيب لاحتياجات كثيرة متنوعة لكي يصبح تأثيره عميقا وواسعا إلى هذه الدرجة، فهو أولا ساحة نشر لا تخضع لرقابة ( تقريبا)، ومن ثم يستطيع أي شخص أن يدلي بدلوه في أي موضوع من التزام بمعايير النشر كالاهتمام باللغة والأسلوب. أيضا يتيح فيس امكانية أن تضع صورتك بالشكل الذي تتمنى وليس كما هي في الواقع، سواء أكانت صورتك الشخصية أو المعلومات الخاصة بنشاطك. اكتب أنك شاعر أو مهندس أو طبيب، لن يعترضك أحد. بالطبع يتيح فيس أيضا امكانية التعارف بين الناس، والتعرف على مختلف الآراء، ولكن سره الرئيسي أنه يخلق الوهم بالتواصل المستمر، ومن ناحية أخرى فإنه يفسح مجالا للشخص لكي يفرد سلطانه الموهوم على الصفحة، فيحذر البعض من أنه سوف يحظرهم، ويشكر البعض، ويتيح كل ذلك شعورا بالسلطة والتمكن غير متاح في الحياة على الأغلب.
 
الشعور بالتواصل المستمر، مع الشعور بقدرتك على تأطير ذاتك بصور وعبارات وذكريات، مع الاحساس بسلطة أن تحذف البعض من قائمة الأصدقاء، أو تستبقيهم، كل ذلك يجعل فيس بوك أقرب إلى الحالة النفسية، وأقرب إلى اشباع شعور الناس بالتواصل مع الذين يضعون علامات الاعجاب والذين يعلقون، علاوة على الجانب المسلي الذي تجسده مقاطع الفيديو.
 
وبالرغم من ذلك فإن الانبهار الشديد والتعلق بفيس بوك ووسائل التواصل الاخرى سيخفت قريبا ، بحيث يقتصر التعامل معه على فوائده فقط ، من غير العناصر المسلية، وهناك إشارة إلى ذلك فقد قررت السويد وقف التعليم الالكتروني في المدارس والرجوع إلى نظام الدفاتر والورق والأقلام والكتب الورقية. في كل حال فإن وسائل التواصل الحديثة خطوة إلى الأمام ومثلها مثل كل خطوة للأمام تقترن عادة بخسائر آنية.