عمرو الشوبكي
الشخصيات العظيمة التى تحتل مكانا ناصعا فى تاريخ الإنسانية هى التى لا تكنفى بالتأثير فى محيطها الوطنى أو الدينى إنما تنتقل إلى الدائرة الإنسانية الرحبة، وهذا ما فعله الراحل الكبير البابا فرنسيس فالرجل لم يحمل فقط إيمانه المسيحى إنما أيضا إيمان عميق بالقيم الإنسانية فى الإخاء والمساوة.
البابا فرنسيس قال حين زار مصر وشارك مع شيخ الأزهر فى المؤتمر الدولى للسلام جملة عميقة وذات دلالة: لم تشرق فى مصر شمس الحكمة وحسب؛ بل شعَّ أيضًا على هذه الأرض نورُ الأديان المتعدّد الألوان، وهنا شكلت اختلافات الأديان «شكلًا من أشكالِ الغنى المتبادل فى خدمةِ المجتمعِ الوطنيّ الواحد».
كلام الرجل عن الأديان لم يحمل أى نوع من الاستعلاء الغربى على باقى شعوب الله، وقال: فى عالم قد عَولَمَ العديدَ من الأدوات التقنية المفيدة، ولكن فى الوقت نفسه عولَم الكثيرَ من اللامبالاة والإهمال، نشعرُ بالحنين إلى الأسئلة الكبرى، التى تبرزها الأديان، ولا سيّما اليوم، فإن الدين ليس بمشكلة إنما هو جزءٌ من الحلّ.
دافع الرجل فى كل المحافل عن قيم العدل والمساواة وله جملة مأثورة: «أنَّ التاريخ لا يغفر لأولئك الذين يُبشِّرون بالعدالة ثم بعد ذلك يمارسون الظُلم، ولا يغفر لأولئك الذين يتحدَّثون عن العدالة، ثم بعد ذلك ينبذون من يختلفون معهم».
ورفض البابا تجارة السلاح والموت وقدم رسالة محبة وسلام عميقة تتحاور مع الحضارات المختلفة وتؤكد على قيم التعايش بين الأديان، وتألم للمجازر التى ترتكب فى غزة وصلى للضحايا، وطالب مرات ومرات بوقف الحرب ودافع عن حقوق المظلومين فى كل مكان.
تبنى البابا فرانسيس مبدأ الحوار بين الأديان وكانت له علاقات وثيقة بالأزهر وشيخه، ودعا للتقارب بين المذاهب المسيحية.
حافظ البابا على موقف الكنيسة من رفض الإجهاض وللمثلية الجنسية والزواج بين المثليين، ولكنه قال إن الله هو من يحاسب وإن ملكوته يقبل الجميع، وفعل نفس الأمر مع طفل سأله باكيًا عن أن والده عمده مع إخوته، ولكنه لم يكن مؤمنًا ومات ملحدًا، فهل سيدخل الجنة؟ فرد مرة أخرى ليؤكد أن الله هو من يحاسب البشر وهو وحده الذى يقرر من سيدخل الجنة واعتبر أن أباه رغم عدم إيمانه إلا أنه عمد أبناءه وهو هنا يمتلك شجاعة تحسب له وقد يكون أقرب إلى الله من شخص مؤمن يعمد بشكل روتينى أبناءه.
البابا ينطلق من فكرة إيمانية تقول إن الله يحاسب البشر على طريقهم فى الحياة وليس فقط أو أساسًا على الفعل (Act) بمنطق هذا حلال أم حرام، إنما عن مدى إيمانه فى رحلته فى الدنيا بقيم عليا تتعلق بالحق والعدل.
البابا فرنسيس قيمة دينية وروحية كبرى جازاه الله خيرًا لما قدمه للدين والإنسانية.
نقلا عن المصرى اليوم