أحمد الجمال
يؤدى التعتيم إلى تفشى الشائعات، وتؤدى الشائعات إلى طمس الحقائق، وتفعيل عوامل انهيار جهاز المناعة الجمعى الوطنى.

ثم إن ارتباك السلطة التنفيذية وتخبطها فى قراراتها وتغييرها- غير المبرر- لقواعد وإجراءات مستقرة، ثم نكوصها عن الالتزام بالإجراءات القانونية التى أبرمتها أجهزتها مع مواطنين يؤدى إلى كوارث بغير حصر، أخطرها فقد الثقة بين المجتمع وبين السلطة، وفتح باب التحايل على مصراعيه، ليحدث الإفساد والفساد والمحسوبية وشراء الذمم، ليتعمق الوسط الذى تنمو فيه الشائعات، أو بالأصح يتسع ويتعمق المستنقع الحاوى لكل الأمراض والأوبئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهلم جرا.

ولا أنكر أننى أكتب ما سبق من سطور وفى ذهنى ما كتبه المهندس صلاح دياب عن المصير المؤلم الذى ينتظر منزله وما يحوزه من أرض حوله أو جواره، وليس لأن كارثة طبيعية استهدفت المنزل والغيط تحديدًا.. وليس.. وليس، ولكن لأن السلطة التنفيذية الموقرة تمارس ما كنا نمارسه ونحن صغار، وبعضنا مازال يمارسه فى كهولته وشيخوخته، ألا وهو «الحمرقة» التى كتبت عنها من قبل، ولم أستطع الوصول إلى معناها فى معاجم العربية الفصحى، لكننى أعرف بدقة معناها فى معجمنا العامى، وهى عدم التزام طرف من أطراف لعبة كرة الشراب أو السبع طوبات أو الحكشة أو السيجة أو الدومينة «الدومينو» أو طاولة الزهر أو الكوتشينة أو المراهنة، بأمر ما، بما اتفق عليه من قواعد وأصول للعب، وقد يعمد ذلك الشخص «المحمرِق» لافتعال خناقة أو افتعال سبب ليفركش الوضع كله، إلى آخر ما فى الجعبة من حيل.

يعنى الحكومة وضعت قواعد ولوائح تنظم البناء على شواطئ النهر.. وتنظم ملكية أى أرض بالقرب من النهر، بما فى ذلك «طرح النهر»، وتفرض أن يكون ذلك مكتوبًا فى عقود تسجل وتصبح نهائية بعد استكمال كل الإجراءات ودفع كل المطلوب قانونًا، ويستقر الحال عقودًا من الزمن، ثم يطق فى دماغ مصلحة أو جهة تتبع الحكومة- أى السلطة التنفيذية- أن تعكنن على خلق الله المواطنين الملتزمين بتعاقداتهم مع السلطة، و«هوب» فركش يا جدع انت وهو.. لا عقود.. ولا حيازة مستمرة.. ولا وضع يد ولا ملايين أنفقت ولا أسر وعائلات تكونت ونشأت أجيالها فى المكان وصار لها فيه تراث وجدانى عميق.. ولا أى شىء إنسانى.. لا لكل ذلك، وأعلى ما فى خيلكم اركبوه!.

والسؤال: أين يذهب المواطن إذا حادت السلطة التى نشأت أصلًا لتحقيق العدل والحماية وضمان سريان القواعد القانونية عن التزامها وقررت «تحمرق»؟!.. اللهم يا كريم تبقينا على قيد الحياة حتى نتلقى أى رد.

ولأن الشىء بالشىء يذكر، فإن السلطة التنفيذية يقع على عاتقها فى المقام الأول بسط هيبة الدولة، وفرض الالتزام بالقانون على كل الأرض المصرية.

وهنا نتكلم بأسى وألم وحزن وأيضًا يأس عن التسيب الرهيب فى الطرق الرئيسية السريعة، وفى الطرق الممتدة بين مدن الدلتا وقراها، وكذلك فى الصعيد وفى الشوارع بأرقى الأحياء، وأيضًا أكثرها شعبية.. لأننا أمام كارثة حقيقية تزهق فيها الأرواح، وتتناثر الأشلاء، وتبتر الأطراف وتبدد الثروات وتنشب المعارك والخناقات، ولا تفسير لذلك إلا أنه غياب الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا؛ أى كاميرات مراقبة الطرق والشوارع، وغياب الوعى وتفشى الاستهتار والاستنطاع.. وهناك فرصة هائلة لجنى وجمع ملايين الجنيهات، إن لم يكن مليارات، لو تمت مراقبة طرق التجمع بأحيائه الممتدة من الأول للخامس أو غيره، حيث احترف قائدو الدراجات النارية الخاصة بـ«الدليفرى» السير عكس الاتجاه، ومعهم مئات إن لم يكن ألوف من البهوات راكبى السيارات.. وأيضًا أسطوات الميكروباص و«التمناية» لتجد الشارع مرصوفًا وممهدًا تمامًا من الاتجاهين.. وتجد فتحات الالتفاف للخلف «يوتيرن» منظمة، ولكن قائد السيارة الفارهة يتكاسل عن السير فى الاتجاه الصحيح للوصول إلى الفتحة المناسبة، ويمضى عكس الاتجاه لفتحة أقرب بعدة أمتار.

إن نزيف الأسفلت فى مصر يعد أعلى رقم فى العالم، وقد يقارن عدد ضحاياه بأعداد ضحايا الحروب الأهلية والخارجية فى بعض المناطق!.
نقلا عن المصرى اليوم