الأنبا إرميا
أود أن أهنئكم بـ«عيد القيامة» الذى احتفل به مسيحيو العالم الأحد الماضى، راجيًا من الله أن يعم ببركاته وسلامه على وطننا الحبيب «مصر»، وبالخير والرخاء على شعبها، وأن يهب للعالم استقرارًا وأمنًا.

وعندما نتحدث عن القيامة، نتذكر قدرة الله العظيمة عندما يقوم البشر فى اليوم الأخير بكلمة إرادته، فتعود الروح للجسد فى اتحاد بلا افتراق؛ يقوم الأموات جميعًا، كبارًا وصغارًا، فى لحظة، ليقفوا أمام الحضرة الإلهية، يتقدمهم حساب أعمالهم عن حياتهم.

وقديمًا كانت رؤيا إلى «حزقيال النبى» عن قدرة الله المرهوبة فى إقامة العظام واهبًا لها الحياة:

«كانت عليَّ يد الرب، فأخرجنى بروح الرب، وأنزلنى فى وسط البقعة وهى ملآنة عظامًا، وأمرنى عليها من حولها، وإذا هى كثيرة جدًا على وجه البقعة، وإذا هى يابسة جدًا. فقال لى: «يا ابن آدم، أتحيا هذه العظام؟» فقلت: «يا سيد الرب، أنت تعلم».

فقال لى: «تنبأ على هذه العظام، وقل لها: أيتها العظام اليابسة، اسمعى كلمة الرب: هكذا قال السيد الرب لهذه العظام: هأنذا أدخل فيكم روحًا فتحيون. وأضع عليكم عصبًا، وأكسيكم لحمًا، وأبسط عليكم جلدًا، وأجعل فيكم روحًا، فتحيون وتعلمون أنى أنا الرب».

فتنبأت كما أُمرت، وبينما أنا أتنبأ كان صوت، وإذا رعش، فتقاربت العظام، كل عظم إلى عظمه. ونظرت، وإذا بـالعصب واللحم كساها، وبُسِط الجلد عليها من فوق، وليس فيها روح.

فقال لى: «تنبأ للروح، تنبأ يا ابن آدم، وقل للروح: هكذا قال السيد الرب: هلم يا روح من الرياح الأربع، وهبّ على هؤلاء القتلى ليحيوا».

فتنبأت كما أمرنى، فدخل فيهم الروح، فحيوا، وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدًا جدًا».

وقد تحدّث السيد المسيح عن قيامة البشر فى اليوم الأخير حين يسمعون صوت الله:

«فإنه تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة».

وساعة الدينونة هى ساعة تتجلى فيها عظمة الله وقدرته التى لا يمكن للعقل البشرى المحدود أن يُدركهما؛ إنه الله غير المحدود القادر على كل شىء.

كذلك يصف لنا القديس الإنجيلى التلميذ «يوحنا الرسول» رؤياه عن القيامة:

«ورأيت الأموات، صغارًا وكبارًا، واقفين أمام الله، وانفتحت أسفار، وانفتح سفر آخر، هو سفر الحياة، ودين الأموات مما هو مكتوب فى الأسفار بحسب أعمالهم؛ وسلم البحر الأموات الذين فيه، وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما، ودينوا كل واحد بحسب أعماله».

إن الكل سوف يقومون بقدرة الله وكلمته؛ ولن تفنى نفس. وقدرة الله على إقامة الموتى هى من صميم سلطانه على الحياة، ولذا فهو واهبها، والقيامة هى بداية الحياة الخالدة التى أعدها الله للبشر حين خلقهم ليتمتعوا بالحرية الحقيقية التى تسمو فوق الزمنيات والماديات فى خلود سعيد مجيد.

وفى القيامة نتذكر عدل الله الذى يتجلى حين يُجازى كل إنسان بحسب أعماله، وأنه – تبارك اسمه – ذو العدل الكامل المطلق؛ يقول الكتاب:

«إله أمانة لا جور فيه. صديق وعادل هو»، والعدل والحق هما أساس حكمه، إذ هو «الرب الديان العادل»، الذى «السحاب والضباب حوله. العدل والحق قاعدة كرسيه»؛ نعم يا رب: ««عادل أنت أيها الكائن والذى كان والذى يكون، لأنك حكمت هكذا».

ولذا حرىٌّ بنا ألا نظن الموت نهاية، بل هو جسر للعبور من عالم يفنى إلى حياة تبقى.

ولا مفر من القيامة والمثول أمام عدل الله! بل علينا حين نتذكر القيامة أن نضع نصب أعيننا أن حياتنا الأرضية تحدد نوع حياتنا الأبدية: فمن اختار حياة الفضيلة من محبة وعطاء، وتسامٍ على الجسديات، عبر إلى حياة لا توصف من مجد وفرح وبهاء بلا انقضاء، ومن مال إلى الشر والحقد والتعالى والانغماس فى الماديات، كان ميله جواز سفره إلى الهاوية وعذاب لا ينتهى!!

ومن ثم، مع كل حلول لـ«عيد القيامة»، تتجدد الفرصة لنا لنتذكر مفترق هذين الطريقين، ومسؤولية الاختيار، وتبعات السؤال: أى الطريقين تود أن يكون مصيرك؟!

كل عام وجميعكم بخير. و... وما زال الحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!

* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم