بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو اتحاد كتاب مصر


مفهوم النور في المسيحية
 أول كلمات يسجلها الكتاب المقدس لله، هي: "ليكن نور"، فكان نور. ومن هذا نعلم أن النور ظهر في الوجود بأمر مباشر من الله. ورأى الله النور أنه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة، ودعا الله النور نهاراً، والظلمة دعاها ليلاً.

     ما حدث أثناء الصلب كحقيقة واقعة لمسها الذين كانوا في أورشليم يتحقّق في حياة المؤمن حين يقبل الصليب مع السيِّد المسيح في مياه المعموديّة. إنه يزلزل أرضه الداخليّة ويشقِّق صخوره ويفتح القبر المقدّس لينعم بالقيامة مع السيِّد حاملاً الحياة الجديدة.

هذا وقيامة الكثير من أجساد القدّيسين الراقدين إنّما حمل تأكيدًا لقيامتنا ليس فقط روحيًا ولكن أيضًا جسديًا في يوم الرب العظيم.          

فىهذا  يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: نزوله إلى أقسام الأرض السفلى لم يضره، ولا كان ذلك عائقًا له عن صيرورته أعلى من السماوات. هكذا كلما تواضع الإنسان بالأكثر يتمجد! ذلك كما في الماء كلما ضغط الإنسان على الماء إلى أسفل ارتفع إلى أعلى ، لأن من قام بأعمال كهذه، وله هذه القدرة، ذاك الذي لم يرفض أن ينزل حتى إلى أقسام الأرض السفلى لأجلنا لا يمكن أن يقوم بتوزيع المواهب الروحية بلا هدف.

            تألم الرب بالجسد مرة واحدة. احتمل أجرة خطايانا في جسده. هذه هي آلام الحب التي دفعته أن يقبل برضا موت الجسد وهو محيي في الروح، لأنه لم يخطئ قط، فلم تذق روحه الموت. مات الرب بالجسد بانفصال نفسه عن جسده، لكن لاهوته لم يفارق ناسوته ولا فارق نفسه قط.

أيات خاصة بسبت النور
قال الرب يسوع للص اليمين“ الحق اقول لك انك اليوم تكون معى فى الفردوس“ (لو23: 43)
و"إذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت وصخور تشققت. والقبور تفتحت وقام كثير من اجساد القديسين الراقدين. وخرجوا من القبور بعد القيامة ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين“ (مت 27: 51، 52)
”لا تقل فى قلبك من يصعد الى السماء ؟ أي لينحدر المسيح، أو من يهبط ألى الهاوية؟ أي ليصعد المسيح من الأموات (رو 10: 6، 7)
”إذ صعد الى العلاء سبي سبيا وأعطى الناس عطايا. وأما أنه صعد فما هو إلا أنه نزل أيضا أولا الى أقسام الأرض السفلى.الذى نزل هو الذى صعد أيضا فوق الجميع“ (أف 4: 8 – 10)

”فان المسيح أيضا تالم مرة واحدة من اجل الخطايا، البار من اجل الأثمة، لكى يقربنا إلى الله، مماتا فى الجسد ولكن محيى فى الروح. الذى فيه أيضا ذهب فكرز للارواح التى فى السجن “ (1بط 3: 18، 19)
”فإنه لأجل هذا بشر الموتى أيضا، لكى يدانوا حسب الناس بالجسد، ولكن ليحيوا حسب الله بالروح“ (1بط 4: 6)
بعد ان اسلم الروح النفس الإنسانية انفصلت عن الجسد الإنسانى فنزلت من النفوس التى ماتت على الرجاء .

لكن الشيطان صعق عندما إقترب الى النفس الإنسانية السيد المسيح، فلم يستطيع القبض عليها لأنها كانت متحدة باللاهوت، لذلك نقول فى القداس . ”لاهوته لم يفارق ناسوته وحدة ولا طرفة عين“
فانسحق تحت اقدام المسيح ، وأ حذ السيد المسيح المسبيين بالفرح نحو الفردوس ، بحسب المزمور24 ”وارتفعن ايتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد“
يقول القديس أمبروسيوس: "من الواضح أن السيد المسيح لم يسقط تحت قوات الظلمة، بل بالحري وهو كسر سلطانها كارزًا حتى بين الأموات الذين كانوا في الجحيم لكي يحررهم”
القديس إيريناؤس: يقول: "لهذا السبب نزل الرب أيضًا إلى أعماق الأرض مبشرًا ومُعلنًا غفران الخطايا لمن آمنوا به. والآن فإن كل الذين آمنوا به وترجّوه وأعلنوا مجيئه وخضعوا لبركاته أي الأبرار والأنبيـاء والآباء. غَفَر لهم خطاياهم بنفس الكيفية التي صنعها معنا تمامًا”

والقديس أثناسيوس الرسولى : يقول: "هرب نور النهار، وترك العالم في ظلمة يحسس، وهذا كله كان من قبل أن يغلق المسيح  عينيه، وأشرق نوره في الجحيم  بسرعة، نزل ربنا إلى الجحيم بروحه لا بجسده، فقلق الجحيم واضطرب من أساسه، ضبط كل الأرض  لئلا تهلك قبل أوانها. أهرق دمه على  فحفظها هي ومَن الأرض فيها، وترك جسده معلّقًا على الصليب في الهواء.. وبروحه نزل إلى الجحيم  وسبى من هناك المسبيين في الجحيم ، وضبط كل الخليقة، وجسده أقام الموتى الذيـن على الأرض ، ونفسه المقدَّسة حلّت أنفس الذين في الجحيم ، وفي تلك الساعة التي كان جسد الرب على الصليب، انفتحت القبور وأبصره بوابو الجحيم  فهربوا، وتحطَّمت الأبواب النحاس وتكسَّرت المتاريس الحديد، وحلَّت نفسه المقدَّسة أنفس الأبرار التي في الجحيم "
           الأب دوروثيؤس من غزة: عندما ارتفع على الصليب المقدس سمّر الخطية التي انتزعتنا من الفردوس على الصليب، وسبى سبيًا كما هو مكتوب.

ماذا سبي سبيًا؟ نتيجة سقوط آدم سبانا عدونا، وأمسك بنا، وجعلنا تحت سلطانه. عندئذ صارت نفوس البشر بعد تركها الجسد تذهب إلى الجحيم، إذ أُغلق الفردوس أمامها. لذلك إذ ارتفع المسيح على الصليب المقدس واهب الحياة اختطفنا بدمه من السبي الذي اُستعبدنا فيه خلال سقوطنا. بمعنى آخر أمسك بنا من يد العدو، وجعلنا مسبيين له بغلبته وطرده ذاك الذي سبق فسبانا. هذا هو السبب الذي لأجله يُقال: "سبي سبيًا".

لقد أطاع حتى الموت... فبقوله "أقسام الأرض السفلى" عني قبوله الموت وذلك حسب مفاهيم البشر... فقد قال يعقوب: "تنزلون شيبتي بحزن إلى الهاوية" (تك ٤٢: ٣٨)، وجاء في المزمور: "أشبه الهابطين في الجب" (مز ١٤٣: ٧)
يرى القديس أمبروسيوس أن السيد المسيح قام بعد انتهاء يوم السبت مع نسمات بداية الأحد. كأن النسوة وقد حملن الطيب وانطلقن نحو القبر يمثلن كنيسة العهد الجديد التي انطلقت من ظلمة حرف السبت إلى نور حرية الأحد، تتمتع بعريسها شمس البرّ مشرقًا على النفوس المؤمنة، محطمًا الظلمة. يقول القديس جيروم: [بعد عبور حزن السبت أشرق الآن يوم السعادة الذي صارت له الأولوية على كل الأيام، عليه أشرق النور الأول، وقام الرب غالبًا الموت.].

إن كان "السبت" يشير إلى الراحة تحت ظل الناموس، يقدم رمزًا للراحة الحقيقية في المسيح يسوع القائم من الأموات، فقد انتظر الرب نهاية السبت ليقوم في بداية اليوم الجديد، معلنًا نهاية الرمز وانطلاق المرموز إليه
               ويرأي الأب هيبوليتس: [لقد رتب الأمور التي على الأرض، إذ صار إنسانًا بين الناس ليُعِيد خِلقة آدمنا خلال نفسه وأيضًا الأمور التي تحت الأرض إذ أُحْصِى مع الموتى مُبَشِّرًا بالإنجيل لنفوس القديسين (الذين ماتوا على رجاء) وبالموت داس الموت.

القديس كيرلس الأورشليمي: قال: "لقد ارتعب الموت عندما فوجئ بزائر جديد ينزل إلى الجحيم دون أن يكون مربوطًا بالسلاسل. لماذا فزعتم يا حراس الجحيم  عندما رأيتموه؟ ولماذا تملكتكم الرعدة؟! لقد هَرب الموت فانفضح ضعفه! وأسرع الأنبياء القديسون نحو الرب. موسى واضع الناموس، وابراهيم واسحق ويعقوب ، وداود وصموئيل ، وإشعياء، ويوحنا المعمدان الذي شهد له عندما سألوه: "أنت هو الآتي أم ننتَظر آخَر" (مت 11: 3).. لقد افتدى كل الأبرار الذين ابتلعهم الموت. لأنه هكذا يليق بالملك الذي أنبأوا عنه أن يخلص أنبياءه هؤلاء.. فقال كل منهم: "أين شوكَتُك يا موت؟ أين غلبَتُكِ يا هاوية؟" (1كو 15: 55)".

أي بعد ان اسلم الروح النفس الإنسانية انفصلت عن الجسد الإنسانى فنزلت الى النفوس التى ماتت على الرجاء .لكن الشيطان صعق عندما إقترب الى النفس الإنسانية السيد المسيح، فلم يستطيع القبض عليها لأنها كانت متحدة باللاهوت، لذلك نقول فى القداس . ”لاهوته لم يفارق ناسوته وحدة ولا طرفة عين“
فانسحق الشيطان تحت اقدام المسيح ، وأ حذ السيد المسيح المسبيين بالفرح نحو الفردوس ، بحسب المزمور24 ”وارتفعن ايتها الأبواب الدهريات فيدخل ملل المجد“.         

    يقول القدّيس كيرلّس الكبير كما أنه عند تسليمه الروح زلزل الأرض، هكذا عند قيامته زلزلها أيضًا ليُعلن أن الذي مات هو الذي قام.   الملائكة التي قدّمت الأخبار السارّة لرعاة بيت لحم الآن تُخبر بقيامته. السماء بكل خدمتها تخبر عنه، طغمات الأرواح العلويّة تُعلن عن الابن أنه الله حتى وهو في الجسد.

وكما يقول القدّيس أمبروسيوس: [عندما أسلم الروح أظهر أنه مات لأجل قيامتنا إذ عمل في نطاق القيامة.]
أما ثمر هذه الأحداث فقد أوضحه الإنجيلي بقوله: "وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدًا، وقالوا: حقًا كان هذا ابن الله" . لقد كانوا يمثِّلون كنيسة الأمم التي قبلت الإيمان بالمسيح خلال عمل الصليب.

اجتمع رؤساء الكهنة والفرّيسيّون مع بيلاطس، قائلين له: "يا سيّد، قد تذكّرنا أن ذلك المضلّ قال وهو حيّ إني بعد ثلاثة أيام أقوم، فمُر بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه ويقولوا للشعب أنه قام من الأموات، فتكون الضلالة الأخيرة أشرّ من الأولى"(مت 27 : 63،64)

         يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم:     لو كان الجند وحدهم هم الذين ختموا القبر لأمكنهم القول بأن الجند سمحوا بسرقة الجسد وأن التلاميذ اختلقوا فكرة القيامة ودبَّروها.

"وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدليّة ومريم الأخرى لتنظرا القبر".

لقد تمّت القيامة بعد السبت، في فجر الأحد، ولم ينتظر السيِّد حتى ينتهي الأحد (اليوم الثالث)، وذلك كما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [لو أنه قام عقب انصراف الحراس بعد اليوم الثالث كان لهم ما يقولون وما يقاومون به ويعاندون. لذلك بادر وسبق فقام، لأنه كان يلزم أن يقوم وهم بعد يحرسون.]
تمّت القيامة بقوة سلطانه، هذا الذي في طاعة أسلم أمره في يد أبيه ليقبل الموت ويقبل القيامة، مع أنه قال "لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 18). بسلطان قام والحجر قائم كما هو مختوم.

 كما يقول الأنبا بولس البوشي: [قام الرب والحجر مختوم على باب القبر، كما وُلد من البتول وهي عذراء كنبوّة حزقيال... أمّا دحرجة الملاك للحجر عن باب القبر، فلكي تُعلَن القيامة جيدًا، إذ بقيَ الحجر يُظن أن جسده في القبر.]
لقد حدثت زلزلة ونزل ملاك الرب ليدحرج لنا الحجر من الباب ويجلس عليه. هكذا حدثت القيامة في حياتنا الداخليّة، فهدمت إنساننا القديم وقدّمت لنا - خلال مياه المعموديّة - الحياة المقامة، أو الإنسان الجديد على صورة خالقه. بالقيامة نزل السمائيّون إلينا يدحرجون الحجر الذي أغلق باب قبورنا، فنلتقي معهم في شركة حب وأخوة خلال المسيح القائم من الأموات.

لذلك كتب القديس البابا أثناسيوس الرسولي عن عيد الفصح: [عيد الفصح هو عيدنا... ولم يعد بعد لليهود، لأنه قد انتهى بالنسبة لهم، والأمور العتيقة تلاشت. والآن جاء شهر الأمور الجديدة الذي فيه يلزم كل إنسان أن يحفظ العيد مطيعًا ذاك الذي قال: "احفظ شهر أبيب (الأمور الجديدة) واعمل فصحًا للرب إلهك" (تث 16: 1).]
انطلقت النسوة نحو القبر ولم يكن يفكرن في الجند الحراس للقبر ولا في الختم، لأنهن تركن القبر قبل أن يذهب اليهود إلى بيلاطس يطلبون حراسة القبر وختمه، إنما كن يفكرن في الحجر: "من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟" لقد نسى الكل أمام أحداث الصليب المرعبة أمر قيامته، لذلك كانت النسوة يفكرن في الحجر الذي يغلق باب القبر، ولم يفكرن في ذلك القادر أن يقوم والباب مغلق!

يعلق الأب سفريانوس أسقف جبالة والمعاصر للقديس يوحنا الذهبي الفم، على هذا الحجر فيقول:
[ما هو هذا الحجر إلا حرفية الناموس الذي كُتب على حجارة، هذه الحرفية يجب دحرجتها بنعمة الله عن القلب حتى نستطيع أن ننظر الأسرار الإلهية، ونتقبل روح الإنجيل المحيي؟ قلبك مختوم وعيناك مغلقتان، لهذا لا ترى أمامك بهاء القبر المفتوح والمتسع].

قدم لنا الإنجيليون أكثر من زيارة للنسوة إلى القبر، وصوّر لنا كل منهم أكثر من منظر حتى يُكَمل بعضهم البعض أحداث القيامة. هنا يحدثنا الإنجيلي مرقس عن دخول النسوة إلى القبر ليشاهدن ملاكًا على شكل شابٍ يجلس عن اليمين يلبس حلة بيضاء. هذا الدخول كما يقول القديس أغسطينوس لا يعني دخولهم الفعلي داخل القبر، وإنما اقترابهن منه جدًا حتى صرن كمن في داخل القبر ينظرن كل ما فيه. وقد رأين ملاكًا في الداخل، مع أنهن رأيناه في وقت آخر خارجه، وكما يقول القديس أغسطينوس أيضًا أن الملائكة كن في داخل القبر وخارجه أيضًا. لقد تحول القبر كما إلى سماء تشتهي الملائكة أن تقطن فيه بعد أن كانت القبور في نظر الناموس تمثل نجاسة، لا يسكنها سوى الموتى والمصابون بالبرص أو بهم الأرواح شريرة. ومن يلمس قبرًا يصير دنسًا، ويحتاج إلى تطهير. وكأن دخول السيد المسيح إلى القبر نزع عنه دنسه وحوّله إلى موضع بركة، يشتهي المؤمنون في العالم كله أن يلتقوا فيه، ويتمتعوا ببركة الحيّ الذي قام فيه.

ظهر الملاك على شكل شاب، وليس على شكل طفل أو شيخ، فإنه إذ يكرز بالقيامة يقدم لنا في شخصه سمة الحياة المُقامة في الرب، الحياة التي لا تعرف عدم نضوج الطفولة ولا عجز الشيخوخة. إنما هي دائمة القوة، لا تضعف ولا تشيخ. أما جلوسه عن اليمين يرتدي حلة بيضاء، فيشير إلى حياتنا المقامة في الرب التي ترفعنا لتوجد عن يمين الله، ونلبس حلة الطهارة والفرح.

 يقولالبابا غريغوريوس (الكبير): [ظهر لابسًا ثيابًا بيضاء ليعلن أفراح عيدنا.] كما يقول القديس جيروم: [الآن صار العدو هاربًا وأُعيد الملكوت. الثوب الأبيض المشرق خاص بالفرح الحقيقي حيث كان ملك السلام يُطلب فيوجد ولا يُنزع عنا. هذا الشاب إذن أعلن طبيعة القيامة لمن يخافون الموت.]
تمتعت مريم المجدلية بهذا اللقاء فإنها إذ استراحت من مملكة إبليس التي أقام في داخلها سبعة شياطين التهب قلبها بالتمتع بالقائم من الأموات، يقيم مملكته فيها. بمعنى آخر، لا نستطيع أن ننعم ببهجة قيامته فينا وملكه في أعماقنا ما لم نُسلمه القلب ليطرد ما فيه من شر ويقيم بنفسه فيه.

رأته القديسة مريم المجدلية باكرًا في أول الأسبوع، أي بعد أن تركت ظلام الليل من قلبها، وتمتعت به بعد أن خرج منها الشياطين السبعة. لذلك يقول القديس أمبروسيوس: [إن أردتم أن تجدوه، فالشمس قد أشرقت الآن، تعالوا مثل هؤلاء النسوة، بمعنى ليته لا يكون في قلوبكم ظلام الشر، لأن شهوات الجسد والأعمال الشريرة هي ظلام. من كان في قلبه ظلام من هذا النوع لا يعاين النور ولا يدرك المسيح، لأن المسيح هو نور. انزعوا الظلام منكم يا إخوة، أي انزعوا عنكم كل الشهوات الخاطئة والأعمال الشريرة، وليكن لكم الطيب الحلو، أي الصلاة بغيرة، قائلين مع المرتل:"لتستقم صلاتي كالبخور قدامك" (مز 141: 2)... إن أردتم أن تعاينوا الرب وتأتوا إلى بيتكم السماوي يلزمكم ترك الشر مثابرين على الثبات في الصلاح الذي بدأتم إياه.]
تحدث معلمنا لوقا البشير عن هذا الظهور في شيء من التفصيل نرجو في الرب أن نعود إليه عند دراستنا لهذا السفر (لو 24: 13-35).

يعبر القديس أغسطينوس عن هذا اللقاء بقوله: [عندما اقترب الرب من الرسولين لم يكن لهما الإيمان... لم يصدقا أنه قام، أو أنه يمكن لأحد أن يقوم... لقد فقدوا الإيمان ولم يعد لهم رجاء... كانا يمشيان معه في الطريق: موتى مع الحيّ، أمواتًا مع الحياةّ. كانت "الحياة" تمشي معهما، غير أن قلبيهما لم يكون ينبضان بالحياة.]

استراح النسوة يوم السبت حسب الوصية (23: 56)، وكان الرب راقدًا في القبر، فكان هذا خاتمة "سبوت" العهد القديم لكي بنهايته يكمل القديم، ويبدأ العهد الجديد مع قيامة الرب في أول الأسبوع، أول الفجر! كان ذلك اليوم الذي فيه انطلق الرب من القبر بمثابة بداية جديدة للبشرية في علاقتها بالرب.
ترك القبر فارغًا والحجر مختومًا، كما وُلد من العذراء وبتوليتها لم تمس، وقد أرسل ملاكه يدحرج الحجر ليجد المؤمنين في القبر الفارغ رصيد القيامة الذي لا ينتهي، وينبوع الحياة الجديدة الغالبة للموت!

"ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر".  ختم حديثه بأن النساء استرحن في السبت حسب الوصية، والآن إذ بدأ الأسبوع الجديد انطلقن بالحنوط والأطياب إلى قبر السيد، ومعهن أناس.

لم يكن ممكنًا في السبت - حسب التقليد اليهودي - أن يعِددن الحنوط ولا ينطلقن إلى القبر، فيبقين بلا عمل حتى جاء غروب السبت أو عشية الأحد ليعددن الحنوط وينطلقن مع بدء الفجر والظلام باقٍ نحو القبر. يمكننا أن نقول بأن هؤلاء النسوة يمثلن الكنيسة الواحدة الممتدة عبر العصور، عاصرت الرمز كما الحق، فبتوقفهن عن العمل يوم السبت أعلن قبولهن الرمز في العهد القديم، لكن في شوقٍ أن يكمل لينقلهن إلى فجر الأحد فيجدن الحق ذاته، بالتقائهن بالمسيح القائم من الأموات. هكذا لم تعد راحة الكنيسة في التوقف عن العمل في السبت الرمزي وإنما في الانطلاق نحو المسيح المقام حاملة أطياب مقدسة ورائحته الذكية معلنة في حياتها وكرازتها بالحق.

لقد انطلقن ومعهن أناس... فإن كانت النسوة تمثلن رجال العهد القديم الذين التهبت قلوبهم بالمسيا المنتظر، فإن الذين جاءوا معهن إلى القبر يمثلون الأمم الذين قبلوا الإيمان بالمسيح القائم من الأموات.

لقد قام الملاك بدحرجة الحجر (مت 28: 2)، وبحسب التقليد الكنسي، رئيس الملائكة ميخائيل هو الذي قام بالدحرجة.