(د. أشرف ناجح إبراهيم عبد الملاك)
هل تعرفون لماذا صلبوه؟
وهل تدرك البشريّةُ بعَقْلها الجَمعِيّ –الواعي واللاواعي– لما صلبوا يسوع النّاصريّ؟
لا، لم يصلبوه لمجرّد أنّه تكلّم عن الحرّيّة مِن حيث كونها غايةً للحياة برمّتها،
ولم يصلبوه لمجرّد أنّه حرّر العديد مِن الأشخاص جسدًا ونفسًا وروحًا؛
وإنّما صلبوه، في نهاية المطاف، لأنّه كان الحرّيّة عينها، وكانت الحرّيّة هي شخصه.
فلا تكمن الحرّيّة في كلماته وأفعاله فحسب، وإنّما هي شخصه بعينه.
فقد صلبت البشريّةُ –وَا أَسَفَاه!– المسيحَ، ولم تقدر أنْ تسهر معه ساعة واحدة،
ليس لأنّها لم تقبل حرّيّة كلامه وأفعاله فحسب،
وإنّما أيضًا لأنّها لم تحتمل ذاته الحرّة الّتي بلغت أرقى مقامات الحرّيّة، لدرجة أنّ ذاته اقترنت بالحرّيّة عينها وباتت شيئًا واحدًا؛ فالحرّيّةُ هي اسم مِن أسماء المسيح، ويسوع هو تَجَلّي الحرّيّة.
فإذا كانت البشريّة لا تستهضم حرّيّة الأشخاص، ولا الأشخاص الأحرار، فما بالكم بشخص كان الحرّيّة ذاتها؟
إنّ مَن اعتاد على العبوديّة والشّرائع المُستعبِدة لا يحتمل الحرّيّة والأحرار.
إنّ الحرّيّة، يا أصدقائي، هي الثّمرة النّاضجة واليَانِعَة للمحبّة، حيث إنّ المحبّة هي الحرّيّة الحقيقيّة والأصيلة.
لقد صلبوه لأنّه هو الحرّيّة في أرفع مقاماتها، وهي بدورها المحبّة في أعلى درجاتها.
فلا تتعجّبوا مِن أُناس يبغضونكم، فهم في الحقيقة ليست لديهم قوّة لاحتمال حرّيّتكم،
فيستسلموا لضعف رفضهم لكم، وكَرَاهِيتهم نحوكم، وحِقدهم تجاهكم؛
وهذا هو كلّ ما يقدرون على فعله.
ولذا فيلوح لي أنّ البشريّة الّتي صلبت يسوع النّاصريّ، وبُطرس تلميذه، والحَلاَّج صديقه، والمصلوبين الآخرين رفقاءه، لن يَكُفّ رَحِمُها عن الحَبل والتَّمخُّض بمصلوبين جُدُد للحرّيّة.
ولكنّ الحرّيّة ستنتصر في النهاية، كما انتصرت حرّيّة النّاصريّ، أو بالأحرى كما انتصر ناصريّ الحرّيّة،
لأنّه هو "الحرّيّة المتجسّدة" و"المحبّة المتجسّدة" في آنٍ واحدٍ؛
فالحرّيّة والمحبّة قد صارتا شخصًا في يسوع النّاصريّ،
ووجدتا فيه تعبيرهما الأخير في تاريخ البشريّة وتطوُّرها.
https://abouna.org/article/%D8%AE%D9%8E%D9%88%D8%A7%D8%B7%D8%B1%D9%8C-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8E%D8%B5%D9%92%D9%84%D9%8F%D9%88%D8%A8?fbclid=IwY2xjawJvDdNleHRuA2FlbQIxMAABHmJtbCrshytNPycWDZnyz65Y6xRrCCeY5CUztgrGnzlkK5sztGK6w9cdvlJL_aem_8e0QcVA1Mp_pThB0DeEcxQ