الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
أوّلًا: النص:
«- يا يهوذا يا مخالف الناموس، بالفضة بعت سيدك المسيح لليهود مخالفى الناموس. فأما مخالفو الناموس فقد أخذوا المسيح وسمّروه على الصليب في موضع الاقرانيون "المرد: يوداس. يهوذا"
- باراباس اللص المسجون اطلقوه والسيد الديان صلبوه في جنبك وضعوا حربة ومثل لص سمروك علي خشبه ووضعوك في قب يا من اقام لعازر من القبر "»
ثانيًا: تحليلٌ لاهوتيّ ولغويّ
١. «خيانة يهوذا و"اليهود مخالفو الناموس»
في هذا المقطع تُوصف خيانة يهوذا وتسليمه للمسيح، لكن يُربَط الأمر جماعيًّا بـ؛ل "اليهود مخالفي الناموس"، مما يُحوّل الإدانة من شخصٍ خائن إلى شعبٍ بأكمله. هذا النوع من التعميم هو ما حذّرتْ منه الكنيسة الكاثوليكيّة بشكلٍ صريح في وثيقة "في عصرنا "Nostra Aetate (رقم ٤)، التي تنصّ: «وأن تكن سلطات اليهود وأتباعها هي التي حرّضت على قتل المسيح، لا يمكن مع ذلك أن يُعزى ما اقترف أثناء آلامه، الى كل اليهود الذين كانوا يعيشون آنذاك دونما تمييز ولا الى يهود اليوم. وإن تكن الكنيسة شعب الله الجديد، يجب مع ذلك ألّا ينظر الى اليهود كمن رذلهم الله ولعنهم، كما لو كان ذلك ناتجًا من الكتب المقدّسة. فليحرص الجميع إذًا في التعليم المسيحي وفي الوعظ بكلام الله على ألّا يعلّموا شيئًا لا يتلاءم مع الحقيقة الإنجيلية ومع روح المسيح.
ففي اللاهوت، خطيئةُ يهوذا فرديّة، وهي تعبيرٌ عن مأساةٍ إنسانيّة شاملة، لا دعوة لكراهية شعب كامل على مرّ العصور.
٢. "باراباس أُطلق، والمسيح صُلب"
هذا المقطع يصف واقعةً إنجيليّة مأخوذة من متّى 27 : 15-26. لكن مكتوبة بطريقة تدفع الإدانة لجمهور الشعب (الذي اختار باراباس) وتحمّله مسؤولية صلب المسيح خارج سياق الغفران. التعبير ينزلق إلى قراءةٍ قضائيّة كلها إدانة عامّة لا محبّة فيها، وهو ما يُناقض تصريح يسوع نفسه على الصليب: «يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما يفعلون» (لوقا 23 : 34).
ثالثًا: لماذا يُعدّ هذا النص مرفوضًا لاهوتيًّا اليوم؟
لأنّه:
يُعمّم خطيئة فرديّة على جماعةٍ بأكملها (الشعب اليهوديّ).
يناقض رسالة الغفران التي أعلنها المسيح في حياته وآلامه.
يتعارض مع العقيدة المسيحيّة النقديّة التي تُقرّ بأنّ خطيئة صلب المسيح هي ثمرة سقوط البشرية جمعاء، لا جماعة دينيّة محددة.
هذا ما جاء في التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكية:
«الكنيسة، في تعليمها وإيمانها، لا تُحمّل اليهود آنذاك ولا اليوم مسؤولية موت يسوع» 597–598.
وكذلك في كلمات البابا بندكتوس السادس عشر:
"ليس الشعب اليهوديّ هو المسؤول عن صلب المسيح... بل خطيئة الجميع، وأنا أيضًا أتحمّلها." يسوع الناصريّ الجز الثاني.
رابعًا: اقتراح بديل بلغة ليتورجيّة سليمة
تحتاج الكنيسة أن ترجع إلى النصوص الطقسيّة القديمة وتراجعها حتى لا يكون هناك أيّ صلاة قد تؤجج الكراهية والعداء نحو شعبٍ بعينه، أو جماعة أو فئة بعينها. لا ننسى أنّ مثل هذه الصلوات يمكن استغلالها سياسيًّا من خلال سلطة ديكتاتورٍ دمويّ مثلما حدث في التاريخ حيث استخدمت النازيّة مشاعر الإدانة التي كانت موجودة لدى بعض المسيحيين لتؤججها سياسيًا لارتكاب أشد الجرائم وحشيّة في التاريخ المعاصر.
خاتمة
هذا النوع من النصوص، إن تُلي من دون وعي نقدي ولاهوتي، يُمكن أن يغذّي خطابات الكراهية بدلًا من أن يفتحنا على نور الفصح والغفران. من واجبنا الروحي والأخلاقي أن نطهّر تراثنا الطقسي من كل ما يُسيء لصورة الله في يسوع، ذلك الذي مات من أجل الجميع، وغفر حتى لصالبيه.
الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ