الراهب القمص بطرس البرموسي
تبتهج قلوبنا بذكرى دخول ملك السلام إلى أورشليم، حيث جاء المسيح ليس كملك عسكري يمتطي فرسًا مهيئًا للحرب، بل كملك وديع يحمل رسالة السلام والمحبة. وقد تحققت فيه النبوة القائلة: "واقطع المركبة من إفرايم والفرس من أورشليم، وتقطع قوس الحرب، ويتكلم بالسلام للأمم" (زكريا 9: 10). فهو رئيس السلام الذي تنبأ عنه يعقوب أب الآباء بقوله: "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون (أي المسيا)، وله يكون خضوع شعوب" (تكوين 49: 10). وقد وُصف بأنه ملك ساليم (أورشليم)، ملك البر والسلام (عبرانيين 7: 1)
 
لقد كانت مسيرة المسيح إلى أورشليم مشهدًا مهيبًا، حيث استقبله الجموع بحماسٍ عظيم. "قطع كثيرون أغصانًا من الشجر وفرشوها في الطريق" (مرقس 11: 8)، بينما "أخذ آخرون سعف النخل وخرجوا للقائه" (يوحنا 12: 12). هذا المنظر يعيد إلى الأذهان احتفالات عيد المظال، حيث كان الشعب يحتفل بفرحٍ عظيم أمام الرب، حاملين سعف النخل وأغصان الأشجار كعلامات للسلام والبهجة، كما أمرت الشريعة (لاويين 23: 40)
 
لقد انحنى الشعب أمام المسيح، ملك السلام، وفرشوا الأرض بأغصان الشجر، مستذكرين النبوة التي تحدثت عن الغصن الصالح الذي سيأتي من نسل داود: "في تلك الأيام وفي ذلك الزمان أنبت لداود غصن البر، فيجري عدلاً وبرًا في الأرض" (إرميا 33: 15). وقد تحققت في المسيح نبوة زكريا: "يحمل الجلال ويجلس ويتسلط على كرسيه، ويكون كاهنًا، وتكون مشورة السلام بينهما" (زكريا 6: 13)
 
سلام المسيح الذي يفوق كل عقل
يدخل السيد المسيح اليوم حياتنا ليمنحنا سلامه الذي يفوق كل عقل. ففي ميلاده، رنمت الملائكة أنشودة السلام: "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام" (لوقا 2: 14). وفي صعوده، منح تلاميذه السلام قائلاً: "سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم" (يوحنا 14: 27). واليوم، نرنم مع الجموع قائلين: "سلام في السماء، ومجد في الأعالي" (لوقا 19: 38).
لقد رددت الجموع بحماسٍ قائلين: "أوصنا لابن داود"، وهي عبارة من المزمور 118، تشير إلى المسيح المخلص. وقد أثار هذا الهتاف استياء الفريسيين، الذين طلبوا من المسيح أن ينتهر تلاميذه. لكنه أجابهم: "أقول لكم: إن سكت هؤلاء، فالحجارة تصرخ" (لوقا 19: 40). هذه الكلمات تؤكد أن تحقيق النبوة كان حتميًا، وأن البشرية كانت تنتظر خلاصها بفارغ الصبر.
 
رمزية الاتان والجحش
ركوب المسيح على أتان وجحش يحمل دلالات رمزية عميقة. فالأتان ترمز إلى الأمة اليهودية، شعب الله القديم، بينما يرمز الجحش إلى الأمم البعيدين عن عهد الله (أفسس 2: 11-15). وقد كان كلاهما مربوطين، مما يشير إلى عبودية الخطية. فأمر مخلصنا تلاميذه قائلاً: "حلاهما" (متى 21: 2)، رمزًا إلى تحرير البشرية من قيود الخطية والشيطان.
 
جلوس المسيح على الآتان والجحش يرمز أيضًا إلى ملكوته على كل البشرية، سواء اليهود أو الأمم. وقد كان تحرير التلميذين للآتان والجحش إشارة إلى رسالة الكنيسة في تحرير الأمم من عبودية الخطية وإدخالهم إلى ملكوت الله. فالأمم، الذين كانت عقولهم بهيمية (أيوب 12: 11)، دخلوا في الإيمان بقوة المسيح، كما تنبأ هوشع: "سأدعو الذي ليس شعبي شعبي، والتي ليست محبوبة محبوبة" (هوشع 2: 23، رومية 9: 25). 
 
خاتمة
دخول المسيح إلى أورشليم كملك سلام يذكرنا بدعوته لنا لنعيش في سلامه الذي يفوق كل عقل. لقد جاء ليحررنا من عبودية الخطية وليجمع اليهود والأمم في ملكوته. فلنفتح قلوبنا لهذا الملك الوديع، ولنعيش في سلامه الذي يملأ حياتنا بالفرح والرجاء.
القمص الدكتور/ بطرس البراموسي 
دكتوراه في الفلسفة تخصص تاريخ الأقباط - جامعة الإسكندرية
 ماجستير في اللاهوت العقيدي- معهد الدراسات القبطية
 ماجستير في التراث المسيحي المدون باللغة العربية جامعة الإسكندرية
 عضو الاتحاد العام للمؤرخين العرب