محرر الأقباط متحدون
اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الثلاثاء زيارته الرسمية إلى مصر، والتي بدأت الأحد الماضي، وسط اهتمام واسع لما حملته من رسائل سياسية وثقافية واقتصادية تعكس طبيعة العلاقة المتطورة بين القاهرة وباريس.

وتُعد هذه الزيارة مختلفة عن سابقاتها من حيث التوقيت والظروف الإقليمية والدولية، فضلًا عن تنوع محطاتها وما تحمله من دلالات. فمن خان الخليلي إلى المتحف المصري، ومن مترو الأنفاق إلى جامعة القاهرة، حرص ماكرون على إرسال رسائل مباشرة عن الاستقرار المصري، وأهمية الثقافة والتعليم، والتعاون الاقتصادي المستمر.

زيارة خان الخليلي مساء الأحد، شكلت لحظة رمزية تعكس الأمن والاستقرار في الشارع المصري، حيث تجول ماكرون في الأزقة المزدحمة وتناول العشاء بمطعم نجيب محفوظ، في رسالة دعم واضحة للسياحة، وتقدير لما تملكه مصر من ثروات ثقافية وتراثية.

كما زار المتحف المصري، في إشارة إلى مكانة مصر كمهد للحضارات، ما يُمهّد للاهتمام العالمي المتوقع عند افتتاح المتحف المصري الكبير في يوليو المقبل.

ولم تخلُ الزيارة من إشارات إلى العلاقات التاريخية، حيث استقل ماكرون مترو الأنفاق، مذكرًا بالدور الفرنسي في إنشاء أول خط له عام 1984، واستمرار الدعم التقني الفرنسي حتى اليوم.

على الصعيد الأكاديمي، شهدت الزيارة توقيع اتفاقيات علمية في جامعة القاهرة، ما يعكس إيمان البلدين بأهمية التعليم والبحث العلمي في تعميق العلاقات. ويأتي ذلك بالتوازي مع دعم متواصل للجامعة الفرنسية في مصر وتوسعاتها المستقبلية.

اقتصاديًا، أكد ماكرون أن فرنسا تُعد الشريك الأوروبي الأكبر لمصر خارج قطاع المحروقات، باستثمارات بلغت 4 مليارات يورو عبر الوكالة الفرنسية للتنمية، مع آفاق لتعميق التعاون بعد ترقية العلاقات إلى مستوى “شراكة استراتيجية”

وفي لفتة تقديرية، أشار ماكرون إلى أن مصر كانت أول من وثق بمقاتلات “رافال”، ما شجع دولًا أخرى على شرائها، مؤكدًا أن فرنسا لا تنسى مثل هذه المواقف.

وشمل البرنامج لقاءات مع مثقفين وفنانين مصريين، ما يعكس تركيز فرنسا على أدوات القوة الناعمة، من فن وثقافة وتراث.

أما سياسيًا، فبرز توافق واسع بين القاهرة وباريس حول قضايا إقليمية كغزة، السودان، ليبيا، البحر الأحمر، ومياه النيل. كما شدد ماكرون على أهمية تمكين السلطة الفلسطينية في غزة بعد الحرب، دعمًا لحل الدولتين، رافضًا في الوقت نفسه أي دور لحماس في مرحلة ما بعد العدوان.

وكانت زيارة ماكرون إلى مدينة العريش، تأكيدًا على الدعم الفرنسي للجهود المصرية في تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ورفضًا لسياسات التهجير والعدوان المستمر.

وفي ظل عالم تتزايد فيه النزاعات التجارية والعسكرية، بدت زيارة ماكرون وكأنها تطرح نموذجًا بديلًا عن الدبلوماسية القائمة على “الصفقات فقط”، حيث جمعت بين المصالح الاستراتيجية واحترام القيم المشتركة كالسلام والثقافة والتفاهم المتبادل.

ختامًا، فإن زيارة ماكرون لم تكن مجرد زيارة رسمية، بل تأكيد على نموذج متقدم للعلاقات الدولية، يقوم على الشراكة العادلة، وتعدد أدوات التأثير، في عالم يشهد تحولات عميقة في ميزان القوة والسياسة