الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
 
حين نواجه الألم البشري في أشدّ أشكاله قسوةالحروب، الظلم، والموت العبثي—قد يبدو استلهام آلام المسيح كأنه محاولة لتجميل الواقع أو إيجاد معنى قسري للمعاناة. لكن هل هذا صحيح؟ هل الصليب مجرد إطار مزخرف يحيط بالمأساة ليجعلها تبدو أقلّ بشاعة؟ أم أن هناك شيئًا أعمق يحدث عندما نتأمل المسيح المتألم؟  
 
في إيماننا المسيحي، الألم ليس شيئًا يُمجَّد بحدّ ذاته، وليس واقعًا يجب التعايش معه من دون مقاومة. بل هو جرح في قلب الخليقة، ناتج عن الشرّ الذي يفتك بالعالم منذ سقوط الإنسان. لكن وسط هذا الواقع، يأتي المسيح لا ليقدّم فلسفة تبريرية للألم، بل ليحضر فيه. آلامه ليست تبريرًا للشرّ، بل إعلانٌ أن الله نفسه دخل إلى أعماق المأساة البشرية، ليس متفرجًا، بل بصفته واحدًا من الذين يعانون.  
 
يُشبه هذا الحضور زيارةَ صديقٍ عزيز لشخص يرقد في المستشفى بعد عمليّة جراحية مرهقة. قد لا يملك هذا الصديق دواءً سحريًا يزيل الألم، لكنه يسأل بلطف: "ماذا تريد؟" وقد يكون الجواب بكل بساطة: "حضنٌ خفيف لا يضغط على الأجهزة المتّصلة بجسدي."! المسيح على الصليب هو هذا الصديق، لا يزيل الألم فورًا، لكنه يمنح حضوره، يقترب، يلمس الجرح من دون أن يزيده نزفًا، ويهمس: "لستَ وحدك."  
 
إن استلهام آلام المسيح وسط عالمنا العنيف ليس تبريرًا للشر، بل رفضٌ لأن يكون الألم هو الكلمة الأخيرة. فالمسيح لم يحمل الصليب ليُجمّل المعاناة، بل ليكسرها بقيامته. لم يُنزل الله على البشر خطابًا فلسفيًا عن معنى الألم، بل جاء بنفسه ليحمله معنا، وليؤكد أن هذا الألم، مهما اشتدّ، ليس نهاية القصة.  
 
لذلك، عندما نتأمل آلام المسيح وسط مآسي العالم، نحن لا نحاول أن نجعل الشرّ مقبولًا، بل ندرك أن الله حاضرٌ حتى في أكثر الأماكن ظلمةً. حضورٌ لا يلغي الألم فورًا، لكنه يمنحه معنىً جديدًا—ليس معنى الاستسلام، بل معنى المشاركة، معنى الرجاء، ومعنى أن القيامة تنتظر في الأفق، حتى لو لم نفهم كيف ومتى