القمص يوحنا نصيف
   + سرّ الاعتراف هو سرّ الشفاء.. شفاء النفس..
   + السيّد المسيح في سرّ الاعتراف ليس هو فقط الديّان الذي يرفع عنّي الدينونة، وليس هو فقط القاضي الذي يرفع عنّي حُكم الموت.. ولكنّه هو أيضًا الطبيب الذي يداوي النفس ويشفي جروحها، ويعطي حياة جديدة لِمَا قد تَلَفَ في النفس نتيجة الخطيّة.. لذلك فإنّ سرّ التوبة والاعتراف هو سرّ مُفرِح، لأنّ فيه شفاء! وهو ليس واجبًا ثقيلاً فضائحيًّا، أو مجرّد ممارسة ضروريّة قبل التناول، ومَن لا يواظب عليه لا يتناول.. بل هو دواء وشفاء لا ينبغي أن نُهمله أبدًا.

   + هناك عظة قصيرة يقولها الكاهن في الطقس الروسي الأرثوذكسي للمعترف قبل أن يبدأ في الاعتراف:
   [لاحظ يا ابني أنّ المسيح يقف هنا بصورة غير منظورة ويتقبّل اعترافك. لذلك لا تخجل ولا تَخَف. ولا تُخفِ عنّي شيئًا، بل أخبِرني بلا تردُّد بكلّ الأمور التي فعلتها. وهكذا فإنّك ستنال الغفران من ربنا يسوع المسيح.

   انظُرْ فإنّ أيقونته المقدّسة هي أمامنا، وما أنا إلاّ شاهدٌ فقط، أشهد أمامه بكلّ الأمور التي تقولها لي.. أمّا إن أخفيتَ عنّي أيّ شيء، فستكون خطيّتك أعظم. احذر إذن لئلاّ بعد أن أتيتَ إلى حيث الطبيب، تَرجِع دون أن تنال الشفاء].

   + وهناك أيضًا عِظة ثانية وضعها أحد الآباء الروس، بها نقاط أخرى جميلة.. يقول فيها الكاهن للشخص الآتي ليعترف:
   [يوجَد هنا الآن ثلاثة أشخاص فقط؛ أنت وأنا والله. أنت قد اخطأت أمام الله، وهو يَعرِف كلّ خطاياك، ويَعرِف الطريقة التي ارتكبتَها بها..

   الله موجود في كلّ مكان وأيّة خطيّة فعلتَها في أيّ مكان سواء بالقول أو بالفكر أو بالفعل كان هو هناك في ذلك المكان، وعرف كلّ شيء عن خطاياك. وهو الآن حاضر معنا هنا، وهو ينتظر كلمات توبتك واعترافك.

   وأنا الموجود معك هنا، أنا خاطئ مثلك تمامًا. ولذلك فلا تخجل أن تَعتَرِفَ بخطاياك في حضوري].

   + واضح من هذا الكلام، أنّ هناك ثلاثة أطراف في الاعتراف: الكاهن والمعترِف والمسيح الطبيب.. فما هو دور كلّ واحد وأهميّته؟ وما هو الدور الأهم؟
   البعض يَعتبِرون أنّ دور الكاهن هو الأهمّ.. من ناحية التفاهُم والنُصح والإرشاد وروح الأبوّة!

   والبعض الآخَر يَعتبِر أنّ دور المُعترِف هو الأهمّ.. من ناحية الجدّيّة ومحاسبة النفس، وحبّذا لو وُجِدَت عاطفة حارّة ودموع في الاعتراف.

   والحقيقة، مع أهمّيّة الأدوار السابقة، فإنّ أهم العناصر في الاعتراف هو دور المسيح الطبيب.. فهو الأكثر أهميّة؛ لأنّ الإنسان في كلّ الأحوال يظلّ غيرَ قادرٍ على شفاء نفسه، بدون دور المسيح الطبيب!

   + الكاهن هو مجرّد شاهد على التوبة، فهو بمثابة موظف استقبال في حجرة الانتظار بالمستشفى، أو لنقُلْ أنّه يقوم بدور المُمَرّض.. ولكنّ المسيح هو الجَرّاح الذي سيستأصِل المرض، فهو الطبيب الحقيقي الذي يشفي النفس، ويعالج عيوبها.. أمّا الكاهن فهو مجرّد أداة في يده!

   + مِن هنا نَفهَم أنّ سرّ التوبة والاعتراف، هو سرّ اكتشاف محبّة الله.. وهو اختبار حقيقي لحبّ الله الذي يأخذنا في حضنه ويداوي جروحنا!

   + سرّ الاعتراف ليس هو فضيحة بقدر ما هو تلامُس مع حبّ الله، وتمتُّع بالشفاء.. ولذلك نجد أنّ الصلاة الجميلة بعد الاعتراف -الموجودة في الأجبية- هي صلاة مملوءة بالشكر والفرح، وبها عبارات مثل: "أشكرك يا رب لأنّك لم تَشَأ هلاكي". فهذا لسان حال الإنسان الخاطئ بعد أن التقَى بالمسيح الطبيب، ونُقِلَتْ عنه خطيّته، وقُطِعَت كلّ رباطاتِها عنه!

   + التوبة في موسم الصوم هي توبة مُفرِحة، فيها اختبار الفرح والبهجة بِسِرّ الشفاء، وتمتُّع بالمسيح الطبيب الحقيقي للنفس، الذي يشفيها وينقّيها لتكون عروسًا مقدّسة له..
القمص يوحنا نصيف