د. رامي عطا صديق
بحلول عامنا الحالى، يكون قد مر ١٢٥ عامًا على صدور كتاب «المرأة الجديدة» للمفكر والمصلح الاجتماعى قاسم أمين (توفى ١٩٠٨م)، حيث أصدره فى القاهرة عام ١٩٠٠م، وواصل به دعوته لنهضة المرأة المصرية بعد كتابه «تحرير المرأة»، الذى كان قد أصدره عام ١٨٩٩م، وهما كتابان يستحقان العودة إليهما بين الحين والآخر.

يذهب المؤلف فى مقدمة كتابه إلى أن «المرأة الجديدة» هى ثمرة من ثمرات التمدن الحديث، بدأ ظهورها فى الغرب حين اختفت الذات البهيمية وظهرت المرأة شقيقة الرجل وشريكة الزوج ومربية الأولاد ومهذبة النوع، موضحًا أن هذا ما يقصده من رقى المرأة المصرية فى العقل والأدب، وأن الشريعة الإسلامية تقف مع تحرير المرأة.

عند حديثه عن «المرأة فى حكم التاريخ»، تناول تطور المرأة وتقدمها فى الممالك الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، من حيث الاهتمام بتربيتها وتعليمها وخروجها للمجال العام، ومساواتها للرجل فى كل أو فى معظم الحقوق، بينما المرأة المصرية فى نظر الشرع إنسان حر، لها حقوق وعليها واجبات، لكنها فى نظر رئيس العائلة ليست حرة، وهى محرومة من التمتع بحقوقها الشرعية بسبب استبداد الرجل.

وهو يدعو إلى «حرية المرأة»، فالحرية منبع الخير للإنسان وأصل ترقيه وأساس كماله الأدبى، مطالبًا بعدم استعباد المرأة والاستبداد بها، وأن تكون الحرية أساسًا لتربية النساء، فالمرأة مساوية للرجل فى قواه العقلية، وهى تفوقه فى الإحساسات والعواطف، والفرق فى العقل يرجع إلى اشتغال الرجال بممارسة العلم، فاستنارت عقولهم وتقوت عزيمتهم بالعمل، ومن ثم فإن الفرق بينهما صناعى وليس طبيعيًا، فمسؤولية المرأة لا تقل عن مسؤولية الرجل أمام الشرع، فى الدنيا والآخرة، وحرية النساء لا تخرجهن عن حدود العفة، بل تزيد من ملكاتهن الأدبية واحترامهن لأنفسهن، وتحمل الرجال على احترامهن، بينما يكون سجن المرأة ضارًا بها وبالمجتمع.

وعند حديثه عن «الواجب على المرأة لنفسها»، يؤكد قاسم أن تعليم المرأة والاهتمام بتربيتها أمر نافع لها ولبيتها وللمجتمع، فهى إنسان مثل الرجل، زيّنتها الفطرة بموهبة العقل، وحق لها أن تسمو إلى ما يقرب من درجته، ومن ذلك حقها فى العمل، خاصة أن هناك نساء كثيرات مسؤولات عن إعالة أسرهن، فيكون العمل حفظًا لكرامتها وراحتها وصونًا لاستقلالها، مطالبًا بأن تُربى المرأة على أن تكون لنفسها أولًا، لا لأن تكون متاعًا للرجل، وأن تدخل فى المجتمع الإنسانى وهى ذات كاملة، لا مادة يشكلها الرجل كيفما شاء، فتجد أسباب سعادتها وشقائها فى نفسها لا فى غيرها.

أما «الواجب على المرأة لعائلتها»، فهو تربية الأولاد، ما يستلزم اهتمامها بالمعارف والمعلومات، وتهذيب نفوس الأطفال وإعدادهم ليكونوا رجالًا صالحين، لأن تأثير المرأة فى العائلة يمتد إلى ما حولها من الرجال، ما يوجب منح النساء حقوقهن فى حرية الفكر والعمل بعد تقوية عقولهن بالتربية.

وهو يؤكد أهمية التربية العقلية بتعليمها القراءة والكتابة واللغات الأجنبية وأصول العلوم الطبيعية والاجتماعية والتاريخية ومبادئ قانون الصحة ووظائف الأعضاء وصناعة الطعام وترتيب البيت وتربية الذوق وتنمية الميل إلى الفنون كالتصوير والرسم والموسيقى، موضحًا أن هذه هى التربية الكاملة التى تيسر للمرأة القيام بواجباتها المتعددة، فهى إنسان يكسب عيشه بنفسه، وزوجة قادرة على أن تحصل لعائلتها على أسباب الراحة والهناء، وأم صالحة لتربية أولادها، وهو يتساءل: هل بعد كل ذلك تظل المرأة فى البيت؟! وتمتنع عن مخالطة الرجال؟!.

ويذهب قاسم أمين، فى خاتمة كتابه «المرأة الجديدة»، إلى أن كل تغيير فى الأمم يكون نتيجة لمجموع فضائل وصفات وأخلاق وعادات، لا تتولد فى النفوس ولا تتمكن منها إلا بالتربية، أى بواسطة المرأة، وهنا تكون بداية الإصلاح.

واقع الأمر أنه بين ١٩٠٠م و٢٠٢٥م، سنوات طويلة من الكفاح والنضال، والعمل على ترسيخ مبدأ المواطنة ودعم حقوق الإنسان، وخلال تلك السنوات حققت المرأة المصرية الكثير من النجاحات والإنجازات فى مختلف مجالات الحياة، وهى تنتظر المزيد، باعتبارها «إنسان مثل الرجل»، إذ ما زالت المرأة المصرية تعانى من بعض القيود المجتمعية، ما يستلزم التحرك فى اتجاهين، هما الثقافة والقانون، وهنا يمثل مبدأ المواطنة حلًا مناسبًا وعلاجًا ملائمًا لهموم المرأة ومشكلاتها، حيث المشاركة والمساواة فى الحقوق والواجبات، دون تفرقة أو تمييز بينها وبين الرجل، فلكل دوره فى المجتمع، ويتكاتف الجميع، وتتضافر الجهود، من أجل تحقيق الخير العام ومصلحة الجميع.
نقلا عن المصري اليوم