هاني لبيب
الدولة المدنية المصرية هى الحل فى سبيل ترسيخ المواطنة والعدل والمساواة.. المرتكز على دولة القانون ونفاذ عدالته الناجزة. وبالنسبة لى، فإن عودة جلسات النصح والإرشاد.. مثلها مثل جلسات التهريج العرفى (الصلح العرفى)، التى تستبعد قوة الدولة لصالح ترسيخ فكرة المنافسة على الانتصار بين طرفين أحدهما كاهن مسيحى والآخر شيخ أزهرى فى الحالة الأولى، أو ترسيخ منطق القوة سواء فى فرض حل محدد وموجه كما فى الحالة الثانية.
ومن هذا المنطلق، رجحت فكرة أن يتولى المجلس القومى لحقوق الإنسان.. أمر الحفاظ على حالة الحرية الدينية أو حرية الاعتقاد والمعتقد أو التحول الدينى أو تغيير الدين.. فى مقال (فتش عن المرأة.. النصح والإرشاد ضد المواطنة!) بجريدة المصرى اليوم فى ١٤ مارس ٢٠٢٥. وذلك لكون المجلس بصفته هو الكيان الرسمى الوطنى المنوط به حالة الحريات فى مجملها. بالإضافة إلى صلاحياته بالاستعانة باستشاريين نفسيين واجتماعيين، أو رجال قضاء، أو ممثلى الجهات الأمنية لضمان السلام المجتمعى، وقبل ذلك ضمان الحفاظ على حياة حالات تغيير الدين من التعرض لكافة أنواع العنف والترهيب والتخويف والتهديد والوعيد من عائلاتهم ومن وصاية المجتمع على أهليتهم فى اختيار قراراتهم الشخصية.
وقد وصلتنى العديد من الرسائل والأسئلة المحددة حول آلية قيام المجلس القومى لحقوق الإنسان بهذا الدور..
المجلس القومى لحقوق الإنسان هو الوسيط المحايد بين المواطن والدولة. ولذا يمكن أن يقوم بإعداد بروتوكول رسمى مع الجهات الأمنية والمؤسسات الدينية لضمان عدم وجود انتهاكات لحقوق المواطن الذى يطالب بتغيير دينه. وفى الوقت نفسه، مواجهة المخاوف والتوترات المجتمعية المترتبة التى تنتج عن حالات تغيير الدين. هذا البروتوكول للتنسيق مع الجهات المعنية لضمان إتمام كل الإجراءات بشفافية ووفقًا لمعايير حقوق الإنسان.. بما يضمن عدم الزج بأى من الجهات والمؤسسات بالاتهامات سابقة التجهيز بالانحياز والتخاذل من جهة، والاتهام بالتراخى والتواطؤ من جهة أخرى. وهو ما يعفى المجتمع من مباراة صفرية لا فوز بها لأحد سوى المزيد من الطائفية البغيضة والسجال الدينى الأسود. فضلًا عن عدم التدخل فى قناعات المواطنين الدينية.
ولذا أقترح أن تكون هناك مجموعة من الإجراءات التى تحترم حرية الاعتقاد، وتحافظ فى الوقت نفسه على استقرار الأوضاع الأسرية والسلام المجتمعى لكل حالة على حدة. وتشمل:
أولًا: تقديم استشارة قانونية من خلال أحد مستشارى محكمة الأسرة للمركز القانونى الجديد له، وللطرف الثانى وللأطفال فى حالة وجود عائلة له ليكون على دراية تامة بالآثار القانونية (تغيير الأوراق الرسمية والميراث)، والاجتماعية (علاقته بأسرته وبقاؤه معهم) المترتبة على تغيير الدين.. دون فرض توجه محدد.
ثانيًا: تحديد مهلة زمنية قانونية للتفكير بحد أقصى ٣٠ يومًا قبل توثيق تغيير الدين رسميًّا.. بحيث يكون لدى المواطن أو المواطنة من طالبى تغيير الدين فرصة للتأكد من قراره، وما سيترتب عليه. وعلى أن يكون هناك استشاريون متخصصون فى الدعم النفسى لمَن سيغير دينه.. حتى لا يكون الأمر مجرد قرار انفعالى بسبب الضغوط النفسية والمشكلات العاطفية والمجتمعية لتأكيد قراره، وإعفاء المجتمع من صدام طائفى محتمل.
ثالثًا: اعتماد نظام للتوثيق المرئى والمكتوب لمَن سيقوم بتغيير دينه بإرادته الحرة المنفردة الكاملة.. غلقًا لكافة أبواب التشكيك بالتحرر من الضغوط والمشكلات من جانب، ولتأكد أسرته من قراره المرتكز على قناعة شخصية.. دون أى ترهيب نفسى أو إجبار دينى أو تهديد مجتمعى أو تمييز دينى من جانب آخر، فضلًا عن التأكيد على أن تحول طرف من دين لدين لن يقلل من قيمة أى دين على الإطلاق. وهو الدور الذى يمكن أن يسهم فيه المجلس القومى لحقوق الإنسان مع بعض المنظمات الحقوقية المعنية.
أرى أن المجلس القومى لحقوق الإنسان.. يجب أن يكون هو المظلة الرئيسية لضمان شيوع كافة الحريات للمواطن المصرى، ومن ضمنها الحرية الدينية سواء لكونه صاحب شخصية اعتبارية مستقلة.. تمنحه المزيد من الحيادية والاستقلال والعدالة، أو لدوره فى تعزيز حالة حقوق الإنسان بشكل يضمن ترسيخه والوعى به، ولضمان المساواة دون تمييز بناء على الدين أو المعتقد من خلال الإشراف المباشر للمجلس على تلك الحالات.
نقطة ومن أول السطر..
تولى المجلس القومى لحقوق الإنسان.. قضايا حرية الاعتقاد والحرية الدينية.. هو تعزيز لحماية حقوق المواطنين، وضمان التعامل مع هذه الحالات بموضوعية وعدالة ومساواة.. بما يدعم مفهوم المواطنة والدولة المدنية.
نقلا عن المصري اليوم