طارق الشناوى

قبل أن تبدأ مسلسلات رمضان - النصف الثانى - كان السؤال: هل نجاح جزء لا يُستهان به من المسلسلات التى انتهى عرضها قبل أيام يلعب دورًا إيجابيًا أم سلبيًا فى استقبال الجمهور؟

 

أتصورها وضعت ما جاء بعدها فى موقف تحدٍّ خارج الرقعة، وقبل أن يبدأ العرض، هناك مؤكد مقارنة لا شعورية، كما أن لدى كلٍّ منا قدرة استيعابية، وبعدها نصل إلى مرحلة التشبع.

 

ورغم ذلك، الآن من الممكن أن أذكر ثلاثة أو أربعة من الأعمال الجديدة تمكنت منذ الحلقات الأولى من فرض تواجدها. نبدأ بـ (لام شمسية)، من أول اختيار الفكرة، مرورًا بكتابة السيناريو مريم نعوم والإخراج كريم الشناوى، تسكين الأدوار وفن قيادة الممثلين بهذا المعيار الناعم فى التعامل مع الصورة فى دلالاتها وظلالها، الديكور والملابس والتصوير والإضاءة، نحن نتابع مخرجًا يدرك كيف يستخدم أدواته فى التعبير وبمقياس من ذهب.

 

قضية التحرش بالأطفال، مجرد أن يتحمس لها فنان، ومن خلال القيود التى تفرضها الدراما، وتحديدًا التليفزيون، يضع الجميع فى تحدٍّ.

 

المسلسل يروى ببساطة ونعومة، رغم صخب الحكاية وضراوتها على النفس، إلا أننا نتأهب بسرعة ونجد أنفسنا فى قلب الحدث، قبل أن نبدأ تطمئننا (التترات) أن كل شيء تم تقنينه، وتحت مظلة نفسية واجتماعية للحفاظ على الأطفال المشاركين فى العمل الفنى، فهم مؤكد أثناء التنفيذ بحاجة إلى تقديم معلومات حتى يتفهموا طبيعة ما هم مقبلون عليه، بالإضافة إلى ما يمكن أن يحدث أثناء عرض المسلسل فى الدائرة القريبة والبعيدة.

 

فى الدراما العالمية، عندما يتعرض حيوان لمشهد تعذيب، على الفور تقرأ على (التترات) ما يفيد أن الحيوان لم يتعرض للإيذاء، وأنها مجرد حيلة فى التصوير، إنها ثقافة يقدرها العالم، وجميل أننا صرنا نحرص عليها.

 

فى فن قيادة الممثل، يبرع المخرج القادر على وضع معيار دقيق لضبط الانفعالات، كل الشخصيات تعيش فى مأزق، الكل لديه الكثير من الأسباب لكى يشعر أنه ضحية، رغم أنك تراه من زاوية أخرى مجرمًا، بينما كان هو فى حالة دفاع شرعى عن النفس أو عن العرض، حالة ضبابية رمادية سوف تتكشف مع استمرار الحلقات.

 

صديقان، أحدهما فى المستشفى مصاب بغيبوبة لا أحد يدرى متى تنتهى، محمد شاهين، والثانى أمام جهات التحقيق ويتجدد حبسه، أحمد صلاح السعدنى، لأنه كاد يفقد صاحبه حياته.

 

هل شاهين حاول الاعتداء الجنسى على الطفل ابن السعدنى؟

حتى الحلقة الثالثة، هناك ظلال من الشكوك، لا يوجد يقين، والطفل (على البيلى) غير قادر على تحديد الموقف، فما يجرى أكبر من قدرته على الاستيعاب، أحمد صلاح السعدنى بين ثلاث نساء: «زوجة وطليقة وحبيبة»، عدد من الممثلات القديرات نتابعهن: «أمينة خليل، ويسرا اللوزى، وثراء جبيل، وأسيل عمران، والراسخة صفاء الطوخى».

 

المخرج كريم الشناوى لديه همٌّ اجتماعى يعبر عنه من خلال الدراما مثل (خلى بالك من زيزى) و(الهرشة السابعة)، ناهيك عن فيلمه الرائع (ضى)، الذى شارك فى مهرجانى (البحر الأحمر) و(برلين)، أيضًا له إطاره الاجتماعى.

 

 

لا يتركك المسلسل فى حالة يقين، دائمًا هناك سؤال جديد يثير الشكوك، بينما السؤال الأول لم تُقدم عنه إجابة شافية، وهذا هو المفتاح الدرامى الذى أمسكت به مريم نعوم التى تقود ورشة (سرد)، ورشة السيناريو طريقة فى الإبداع، عندما يتولاها أستاذ شاطر وموهوب نرى أمامنا سحرًا وألقًا، يبدأ من اختيار العنوان، الذى فى عمقه يعنى أن ما تراه مكتوبًا لا تعثر له على أثر عندما تنطقه!.

نقلا عن المصرى اليوم