بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر
أخبر مكاريوس أسقف أورشليم القديس الأمبراطور قنسطنطين بأن الأماكن المقدسة بالمدينة مطمورة وقائم عليها هياكل وثنية أقامها الامبراطور هادريان. وكان هذا قد اضطهد المسيحين اضطهاد شديدا، وأقام سورا حول أورشليم القدس ضم الجلجثة، وهي التل الذى صلب عليه السيد المسيح، ثم أمر بطمر القبر المقدس بالتراب والاوساخ لكي لا يبقي معروفا من الزوار الذين كانوا يتقاطرون لزيارته سنويا. ويبدو أن تزايد الزوار لهذا المكان المقدس قد حوله إلي كنيسة، اثارت حنق هدريان فقام بإجلائهم وأمر بردم المكان، وبني فوق الجلجثة والقبر هيكلين وثنيين وأقام فوقهما تمثالي للمشترى والزهرة، ثم حول الأرض المجاورة لهما إلي بستان وأعتقد هادريان خطأ [انه أنهي زيارة المسيحين للمنطقة المقدسة إلا أن تداول المسيحيون بأن هذه المنطقة المطمورة تحتوى على القبر المقدس ظل متناقلا بينهم إلي أن جاءت الفرصة المناسبة عندما أعترف الامبراطور قسطنطين بالمسيحية كديانه رسمية ومن ثم اخبره بها القديس مقاريوس. وقد أسف الامبراطور عند سماعه ذلك، وقرر إرسال والدتة القديسة هيلانة إلي أورشليم القدس التي جاء بها سنة 326م.
وعندما جاءت الملكة هيلانة لزيارة القدس, سألت عن مكان الصليب المقدس. وعندما عرفت هدمت الهيكل الوثني وحطمت الأصنام التي أقامها هارديان، وأزالت الأتربة فظهرت صخرة الجلجثة بارزه على هيئتها الأصلية، ومن وسط البستان بدت مغارة السيد المسيح المحفورة في الصخر، والتي احتوت على قبره المقدس والتي كان به حجرة خارجية بمثابة دهليز له باب منخفض جدا من الجهة الغربية، يسده حجر كبير يؤدى إلي حجرة داخلية ترى فيها أكفان السيد المسيح.
وكانت الملكة هيلانة قد وجدت بعد ازالة الأتربة والحجارة، الخشبات الثلاثة عام 328م خشبة السيد المسيح، وخشبتي اللصين الذين صلب عليهما. ولمعرفة أى الخشبات خشبة السيد المسيح، قيل لها بأن الخشبة التي يلمسها متوفي يحيا في الحال، وقد تحقق ذلك وعرفت خشبة السيد المسيح، وقامت الملكة هيلانة بعمل غلاف لها من الذهب والحرير وجاءت به إلي روما.
وقد أُخبر الإمبراطور قسطنطين بهذه التطورات عن طريق إقامة تلال على رؤوس الجبال على مسافات مختلفة بين القدس والقسطنطية، ثم ايقاد المشاعل التي وضعت عليها من أفراد وضعوا من أجل ذلك، حتي وصل الخبر إلي القسطنطينية، التي احتفلت بإكتشاف الصليب المقدس. وهذا هو السر في ايقاد النيران في عيد الصليب، لأنه لم يكن هناك وسيلة أخرى غيرها لنقل الخبر بسرعة كما هو الآن.
وقد أمر الإمبراطور قسطنطين الأول كما إتفق مع الملكة هيلانة على بناء ثلاث كنائس الأولي كنيسة القبر المقدس، وكانت يومئذ مستطيلة على غرار كنيسة المهد بيت لحم الحالية. وكان موضع القبر في بادىء الأمر خارج السور، ولما بنت الملكة هيلانة الكنيسة قامت بتوسع السور بحيث أصبحت الكنيسة داخلة، وأصبحت تعتبر جزءا من المدينة. ويشمل هذا الاسم الآن مجموعة الكنائس والمغارة التي تم إكتشاف الصليب فيها. وأما الكنيسة الثانية – كنيسة الجلجثة – وهي التي عرفها العرب "بالإقرانيون". أما كنيسة الشهادة أو (المرتريون) وهي متاخمة للجلجثة وتحتوى على جزء منها. وقد دعيت أيضا بكنيسة إكتشاف الصليب، لأنه يوجد تحتها المغارة التي أكتشف الصليب فيها. وكان حول هذه الكنائس أروقة جميلة وباحات واسعة وصفوف من أعمدة مرمرية تلف في مجموعها بناء فخم. وقد استغرق تشييد هذا البناء ست سنوات. وقد استعانت الملكة هيلانة بالمصريين والسريان، لقربهم من الأراضي المقدسة، ولخبرتهم الطويلة في فن البناء والعمارة، ولأنهم من رعايا الدولة البيزنطية. وقد أشرف على بناء هذه الكنائس الأسقف مقاريوس أسقف أورشليم. وقد تم تدشين هذه الكنائس في يولية عام 335م. وقد دعي لتدشينها البابا القبطي القديس الأنبا أثناسيوس الرسولي بابا الأسكندرية وبطريرك أنطاكيا، وأسقف أورشليم مكسيموس الذى خلف الأسقف مكاريوس، ومطران قيسارية استكاكيوس.
وتذكر كتب التاريخ أن الملكة هيلانة وهبت الأقباط الجزء الواقع من شمال شرق القيامة، حيث يقع به بئر المياة التي أستخدمت في بناء كنيسة القيامة ومعظم كنائس مدن أورشليم. وعلى ذلك فقد قام الأقباط بتخليد أسم هذه الملكة بإطلاق أسمها على هذا البئر تكريما لها، كما أقاموا كنيسة فوق بأسمها قائمه حتي الأن تخليدا لها. ومن بينهم أعداد كبيرة من الرهبان الأقباط. وقد اشارت إلي ذلك وثيقتان أولهما خطاب مرسل من باولا الرومانية التي حجت إلي أورشليم في عام 386م إلي صديقتها مارسيللا بروما ذكرت فيه مصر ضمن البلاد الممثلة في المدينة المقدسة. والوثيقة الثانية وهي معاصرة للوثيقى الأولي وعنوانها "الحاجة اثيريا"، وهي تشير إلي وجود عدد كبير من رهبان مصر وطيبة في الأماكن المقدسة بأورشليم.
وقد تنصر في ذلك الوقت أحد مشاهير اليهود في فلسطين واسمه يوسف، فبنى هو أيضا عدة كنائس على جبل التجلى وفى الناصرة وطبرية وكفر ناحوم وصفورية، وكذلك افتوربية إمرأة مكسميان حمى قسطنطين الملك بنت كنيسة عظيمة على قبور البطاركة في حبرون، ومن ذلك العهد تنصر أهالي فلسطين فإضطهدوا اليهود وأجلوا كثيرين منهم عن البلاد، فأصبحت فلسطين في هذا العصر مع تمادي الأيام بلاداً مسيحية متباهية بإستقامة رأيها ومزاراتها وكنائسها المتعددة في كل مدينة وقرية كما تشهد بذلك أثارها إلى الأن.
وقد استعانت الملكة هيلانة بالمصريين والسريان؛ لقربهم من الأراضي المقدسة؛ ولخبرتهم الطويلة في فن البناء والعمارة؛ ولأنهم من رعايا الدولة البيزنطية، وقد أشرف على بناء هذه الكنائس الأسقف مقاريوس أسقف أورشليم، وقد تم تدشين هذه الكنائس في يوليو عام 335م، وقد دعيّ لتدشينها البابا القبطي القديس الأنبا أثناسيوس الرسولي بابا الإسكندرية وبطريرك أنطاكيا، وأسقف أورشليم مكسيموس الذي خلف الأسقف مكاريوس، ومطران قيسارية استكاكيوس.
ويتضح أن الأقباط كانوا منذ القرنين الثالث والرابع يحجون إلى الأرضي المقدسة أفراد وجماعات رهبانًا وشعبًا واستمر هذا التردد بعد ذلك، إلا أن هذا التطور الواضح والبارز في فكرة الحج في المسيحية حدث في عهد قسطنطين أول الأباطرة المسيحيين في أوائل القرن الرابع الميلادي الذي أوقف الإضطهاد الذي لحق بالمسيحية وعمل على إتباع سياسة متوازنة تجاه القوى الدينية المختلفة في الإمبراطورية الرومانية، ويذكر المؤرخ استيفن رانسيمان «قد قامت الملكة هيلانة بالعثور على خشبة الصليب ودعم ابنها الإمبراطور اكتشافها ببناء كنيسة القبر المقدس هناك، ومنذ ذلك الحين صار الحج إلى تلك البقاع تقليدًا قائمًا لدى المسيحيين».