الأقباط متحدون - رعـاة وملائكة
أخر تحديث ١٩:٤٥ | السبت ١٢ يناير ٢٠١٣ | ٤ طوبة ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٠٣ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

رعـاة وملائكة

 بقلم: هاني رمسيس 

أرضٌ فضاء شاسعة ومترامية، وسماءٌ انتثرت بها نجومٌ يمتاز بعضها عن بعض، وأفقٌ بعيدٌ مجهول، وليلٌ سابحٌ في الظلام، وظلامٌ غارقٌ في الصمت إلا من حفيف الريح وطقطقة الأخشاب في النار.
 
وبعضٌ من الرعاة الساهرين يلتفون في حلقةٍ حول دائرة مشتعلة من النار تتوسطهم، يصطلون ويجترون أحداث النهار الفائت، بشّر أحدهم فرحًا كم حمل ولد اليوم، واستعاد آخر مكررًا شكواه من هروب بعض الأغنام في دروب الصحراء، وتوقع ثالث متفاخرًا كم حَمَل حولي كامل بلا عيب سوف يكون جاهزًا للمشاركة في الفصح القادم، ففي الفصح يُصبح رعاة الأغنام قبلة اهتمام كل اليهود، وبخاصة رؤساء الكهنة، فمن أياديهم تؤخذ خراف الفصح.
 
نهض صغيرهم واجتاز النار برشاقة راقصة، وظهر ظله كبيرًا معكوسًا خلف ألسنة اللهب العالية، وأظهر بلغة عنفوانية غلبت عليها حركات الجسد النحيل – وقد أثار حديث السامرة خياله – استعداده لقتال الذئاب إن فكرت في الاقتراب من القطيع، متخذًا من جده داود قاتل الأسد والدُّب مثلًا يَحتذي به، ولِمَا لا فهو، راع مثله، كما أنه من نفس سبطه، وهو أيضًا يهوى الموسيقى كما كان يفعل داود.
 
ومازالوا هكذا يتسامرون ويتضاحكون ويحكمون تغطية أجسادهم بجلود الأغنام، وهم حول النار، حتى نام بعضهم، وهم لا يعرفون ماذا ينتظرهم، فقد اختيروا دونًا عن بقية رعاة الأغنام في كل اليهودية والجليل والسامرة، ودونًا عن كل اليهود، ونيابة عن كل جنس البشر؛ ليستعلن الله لهم تتمة ملء الزمان ومكان ظهور الله في الجسد البشري.
 
فلماذا كان هؤلاء الرعاة وليس غيرهم بؤرة اهتمام السماء، التي أعطت الأمر لأرواح الملائكة أن تزورهم وتبشرهم بمولد "مخلص هو المسيح الرب"، هل لوداعة قلوبهم أم لوضعهم الاجتماعي، أم لوظيفتهم شبه المقدسة، أم لأسباب أخرى؟، فهم لا يجيدون قراءة النجوم كالمجوس، ولا يعرفون الكتب كما يعرفها كهنة اليهود وحافظي الناموس، ولا يملكون سلطة كهيرودس الملك.
 
ترك الرعاة قطعانهم خلفهم وذهبوا للبحث عن طفل مقمط موضوع في مزود، يقودهم الإيمان ويتملكهم الشوق، يتقدمهم صغيرهم بحماسه المشهود، حتى وصلوا إلى المكان حيث العائلة المقدسة، هناك تحدثوا عما رأوه في السماء، عن الملاك الذي أرشدهم، وعن جوقة الملائكة التي احتفلت بالحدث الفريد، ثم رجعوا من حيث أتوا، لكن بالتأكيد ليست هذه نهاية القصة، فمشاعر الرعاة تحتاج إلى إلهام من نوع خاص للحديث عنها.
 
عاد الرعاة ليس كما ذهبوا، فما حدث تلك الليلة انطبع في وجدانهم وذاكرتهم طوال حياتهم، فالبتأكيد منهم مَن عاصر يسوع الناصري الذى يجول يصنع خيرًا، ومنهم مَن تبعه على جبل الموعظة، ومنهم من كان ضمن الخمسة آلاف رجل الذين شبعوا بخمسة أرغفة وسمكتين، ومنهم أيضًا مَن شهد يسوع المصلوب في الجلجثة!

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter