مارجريت عازر
انعقدت القمة العربية الطارئة فى القاهرة وسط أوضاع إقليمية غاية فى التعقيد، حيث تواجه القضية الفلسطينية تصعيدًا غير مسبوق، ما يجعل الاجتماع العربى على أعلى المستويات ضرورة ملحة، خاصة أن القضية المطروحة ليست شأنًا ثانويًا، بل هى قضية العرب الأولى، وأولويات بعض الأنظمة تجاه القضايا القومية الكبرى. جاءت القمة العربية الطارئة فى القاهرة فى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، الذى خلّف آلاف الشهداء والجرحى، وأدى إلى كارثة إنسانية. كما تتزامن مع ضغوط دولية متزايدة لإيجاد حلول للأزمة، فى وقت تتجه فيه بعض الدول الغربية إلى التغطية على جرائم الاحتلال، مما يتطلب موقفًا عربيًا موحدًا أكثر من أى وقت مضى.

فى هذا السياق، جاءت القمة فى ظل دعوات لتعزيز التضامن العربى، وضرورة تقديم الدعم السياسى والدبلوماسى والمادى للشعب الفلسطينى. كما أن هذا الغياب يطرح تساؤلات حول مدى جدية بعض الحكومات فى التعاطى مع القضية الفلسطينية، وما إذا كانت هناك اعتبارات داخلية أو إقليمية حالت دون مشاركتها.

لا شك أن العالم العربى يواجه انقسامات حادة فى الرؤى والمواقف، نتيجة للتباين فى الأولويات السياسية، والمصالح الوطنية لكل دولة. ومع ذلك، فإن هذا لا ينبغى أن يكون مبررًا للتخلى عن القضايا المركزية التى تمثل الضمير الجمعى للشعوب العربية.

إن مصر، التى استضافت القمة، تتحمل عبئًا هائلًا منذ اندلاع هذه الأزمة، سواء من حيث الأوضاع الأمنية والإنسانية على حدودها مع قطاع غزة، أو من خلال جهودها المستمرة لوقف العدوان الإسرائيلى وفتح قنوات للحوار الدولى. ولذا، فإن غياب بعض الدول عن القمة يُنظر إليه باعتباره موقفًا غير مبرر وغير مفهوم، بل أيضًا يظهر وكأنه نوع من التخلى عن دعم القضية الفلسطينية.

الشعوب العربية، التى تنظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها مسألة هوية وكرامة، كانت تتوقع موقفًا موحدًا أكثر قوةً، لا أن ترى غيابًا غير مبرر عن قمة تهدف إلى اتخاذ قرارات مصيرية بشأن هذه القضية.

إن استمرار هذا النهج فى مواجهة الأزمات الكبرى يهدد بفقدان الثقة فى المؤسسات الرسمية العربية، ويعمّق الفجوة بين الحكومات وشعوبها. فبينما تخرج مظاهرات غاضبة فى عواصم عربية عدة مطالبة بمواقف أكثر حسمًا، يأتى الغياب عن القمة كمؤشر سلبى يعزز الشعور بالإحباط.

أمام هذه المعطيات، من الضرورى أن تتخذ الدول العربية خطوات سريعة لتوضيح موقفها، والعمل على تعزيز دورها فى دعم القضية الفلسطينية، سواء من خلال تقديم الدعم الإنسانى والسياسى، أو عبر مواقف أكثر وضوحًا فى المحافل الدولية.

كما أن المطلوب اليوم هو إعادة صياغة مفهوم العمل العربى المشترك بحيث يكون قائمًا على المسؤولية المشتركة، وليس مجرد بيانات موسمية أو تحركات دبلوماسية شكلية. وإذا كان هناك أى خلافات أو تباينات بين الدول العربية، فلا يجب أن تكون القضية الفلسطينية ضحيتها، بل ينبغى أن تكون نقطة التقاء، لأنها تمثل وجدان الأمة وتاريخها ومستقبلها.

فى ظل اللحظة الحرجة التى تمر بها القضية الفلسطينية لن تغفر الشعوب العربية بسهولة لمن اختاروا التخاذل فى هذه اللحظة الفاصلة. فالتاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى، والرهان على الوقت لتجاوز ردود الفعل قد يكون خاسرًا فى هذه القضية التى تمس شرف الأمة وهويتها.
نقلا عن المصرى اليوم