عبد الرحمن ناصر
في أعقاب سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، توالت الأحداث عاصفة بين الإسلاميين والتيارات المدنية، وبينهما كان الفاصل الذي لا ينكره إلا جاحد، وهو جيش مصر الوطني غير القابل للمزايدة أو العبث.
من بين تلك الأحداث جاءت أسماء غريبة ومسميات كلها ممقوتة على الأرجح، منها على سبيل المثال لا الحصر، جمعة النفير، وجمعة الخلاص، وجمعة عرفت إعلاميا بجمعة قندهار، وهي ما سنتحدث عنه قليلا.
وقتها كنت بالميدان أتابع عملي كمحرر صحفي بأحد المواقع وكان بصحبتي صديقي أستاذ العلوم السياسيه الدكتور شريف عبد الحميد، كنت أحمل كاميرا صغيرة وقتها، حاولت الحديث إلى تلك الجحافل بأشكالها الغريبة عن مصر والميدان، جلابيب بيضاء وغرابيب سود وأذقان ورايات مرفوعة مختلفة الألوان وجبهات متعددة، ومنصات كثيرة في الميدان حولها أناس غلاظ شداد لا يعصون مرشدهم أو قائدهم يلتفون حول المنصات ولا أحد يستطيع الاقتراب، ومن يحاول يدفعونه بقسوة.
وقتها كنت مشروع محرر صحفي مشاكس حاولت انتزاع أي معلومات من أولئك القوم، لكنني فشلت فشلا ذريعا، كان كل من تحدثت معه لا يعلم بالأصل لماذا هو موجود بالميدان لأن الجميع كان يخبرني أنه ليس مخولا بالحديث حتى يأتي سيده، وسيده ذلك لا يأتي أبدا،
كلما التقطت طرفا للحديث مع أحدهم يرسلني لآخر بذقن أطول وجلباب أقصر، حتى أسأت الأدب في السؤال ووقعت في المحظور حين باغتُ أحد شيوخهم بسؤال: هل تنتوون حكم مصر بالفعل كما يشاع، لم أتلق إجابة فكان هناك سؤال آخر مني وهو كيف ترون جيش مصر، هل سيكون حاضرا في المشهد القادم، هنا تلقيت إجابة صادمة وهي نعم سيكون حين يصبح جيشا إسلاميا.
داعبت الشيخ دعابة جلبت عليّ العديد من اللكمات والرفسات والركلات وتمزيق ملابسي كاملة عدا البنطال، كانت دعابتي وهل ترون جيش مصر جيشا صليبيا!
إلى هنا ينتهي الحديث عن جمعة قندهار ليبدأ على الفور حاضرا في الذاكرة، ذلك الحوار الذي دار بين "محمد مهدي عاكف" مرشد الإخوان والأستاذ سعيد شعيب الصحفي المخضرم حين سأل المرشد: هل تمانع أن يحكم مصر أجنبيا طالما مسلم.. فكانت الإجابة “طز في مصر واللي جابوا مصر”.
هذه هي العقلية الإسلامية، بالطبع عبارة لا يتقبلها أحد، إذا لنجعلها "تلك هى عقلية الإسلام السياسي"، الذي لا يختلف أبدا إجمالا وتفصيلا في كل البلدان لأنه لا يرتكز سوى على نظام الولي أو الإمام أو المرشد ومن ثم "الخليفة".
وحين نعود للتاريخ نجد أن الإسلام السياسي كان ثلاثة عصور،
دارت خلالها رحى الحرب بينهم جميعا حتى المبشرين بالجنة قد قتلوا
وقضى الأمويون على آل بيت النبي والصحابة، وقضى العباسيون عليهم ثم الخلافة العثمانية، التي تم تقسيم العالم العربي على يديها من كثرة الدسائس والمكائد والخيانات بين الخلفاء والأمراء والصراع على الغلمان والجواري وأسواق الرقيق.
من هنا نتذكر قول نعوم تشوميسكي أستاذ العلوم السياسية في أحد محاضراته بالجامعة الأمريكية، إذ قال إن الحكومات الإسلامية لا تعتمد في حكمها إلا على قمع يصل لتكفير وقتل معارضيها، باسم الدين حيث لا تكتفي بعقوبتهم بالحبس، بل يتطور الأمر الأرضي ليصبح أمرا سماويا بمسميات أخرى، منها على سبيل المثال "القصاص".
إن تلك الجماعات المتطرفة إذا ما وصلت الحكم لا تنكل إلا بشعوبها،
وقد رأينا جميعا هذا في أفغانستان والدول التي تتغنى بتطبيق شرع الله ونحن لسنا ضد شرع الله، بل ضد الإرهاب والنطاعة.
ما يحدث بالساحل السورى الآن ماهو إلا جزء مصغر من تلك الرؤية وتلك الأجندة التي أرادوا تنفيذها بمصر المحروسة، بجيشها الوطني وشعبها.
استعانوا وقتها بكل القوى الإرهابية المحيطة بوطننا الغالي من كل الحدود الغربية والشرقية والجنوبية، نعم كل هؤلاء أرادوا مصر معقلا للإرهاب، ذلك الوادي الطيب الذي ترعرعت فيه خفافيش الظلام وراحت تشعر بالسكينة إلا أن الله سبحانه وتعالى جعل هناك عيون الصقور في جيش مصر لا تنام أبدا.
كان جيش مصر واقفا هناك ينظر إلى المشهد من زاوية يرى فيها الوطاويط حيث لا يرونه، يدرس جميع السيناريوهات المحتملة
يجد خططا لـ"االإرهاب المحتمل" الذي تحدث عنه رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وكان الكثير لا يعرف وقتها ماذا يقصد السيد رئيس الجمهوريه بالإرهاب المحتمل، إلا أن الجميع أدرك ذلك الآن.
إن الإبادة الجماعية والتصفية التي تحدث في سوريا الآن هي الإرهاب المحتمل الذي كان سيحدث في مصر لولا الله وحنكة نسور مصر وصقورها وعيونها الساهرة.
نقلا عن تلجراف مصر