المرحلة الرابعة: الأم والابن
"أمّا أمّه فكانت ترى هذه الأمور وتحفظها في قلبها." (لوقا 2: 51)
موضوع التأمل: التعذيب والتضامن والمجتمع
الاب جون جبرائيل
تتجمّد مريم في مكانها، يعتصرها الألم وهي ترى ابنها بين أيدي الجنود، يُدفع بعنف، يُجلد بلا رحمة. ليس في شوارع القدس وحدها، بل في الأزقة الضيقة لمناطق مهمشة، في قرى منسية حيث يموت الناس ببطء، لا بسيف الجلاد فحسب، بل بالإهمال والفقر، بفيروس الكبد، بأمراض الكلى، بتجاهل الدولة والمجتمع. تراه في وجه كل من دهسته آلة القهر، في جسد الفلاح المُنهك، والعامل المطرود، والمهاجر الذي قذفته الأمواج على شاطئ غريب.
تتساءل: هل أخطأتُ حين علّمتُه قول الحقّ؟ حين غرستُ فيه الشجاعة ليقف مع المظلومين؟ ها هو اليوم يسير في طريق الآلام، لا لأنّه مجرم، بل لأنه "كان مصريًا"، أو لاتينيًا، أو إفريقيًا، أو فلسطينيًا، أو مجرد إنسان طالب بالعدل، فصار في نظر السلطة خطرًا يجب أن يُسحق.
حين يرفع الجندي يده ليصفع وجهه، هل يرى في عينيه انعكاس خوفه هو؟ هل يدرك أن الضحية التي يسحقها اليوم قد يكون هو نفسه غدًا؟ مريم لا ترى ابنها وحده، بل ترى كل شاب يُساق إلى مصيره، كل جسد يرتجف تحت وطأة القهر، كل قلب تحطم أمام جدار الظلم.
ألم مريم ليس ألمها وحدها. هو وجع كل أم رأت ابنها يُقتاد نحو المجهول، ولم يكن بيدها إلا الدموع والصلاة. هو وجعنا نحن، حين نشاهد الجمال يُحطم، والإنسان يُهان، ونقف عاجزين، نتساءل: هل يمكن للحب أن يكون أقوى من الموت؟
ومع ذلك، وسط الظلم، وسط الألم، هناك نور خافت لا ينطفئ. هو النور الذي يجعل الأمهات يتضامنَّ، الذي يحوّل الغرباء إلى إخوة، الذي يجعل التضامن أقوى من الطغيان. فهل يمكن أن يكون الألم بداية القيامة؟
الرسومات للفنان الأرجنتينيّ: آدولفو إسكويبيل Adolfo Pérez Esquivel