الأنبا نيقولا أنطونيو : العبادات في كنيستنا الأرثوذكسية تجمع بين التسابيح الروحية السماوية وتاريخ الكنيسة

قال نيافة الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا للروم الأرثوذكس، والمتحدث باسم الكنيسة في مصر :" الشيء اللافت في العبادات في كنيستنا الأرثوذكسية هي أنها ليست فقط ترانيم وتسابيح روحية سماوية، بل هي أيضًا ترتبط بتاريخ الكنيسة وهي أعياد وتجليات لاهوتية وليتورجية، وحركة مجتمعية.

 

مضيفا في رسالة رعوية لشعب الكنيسة، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك :" يعود المديح الذي لا يجلس فيه إلى عام 626 ميلادية حينما كانت الامبراطورية الرومية الشرقية (البيزنطية) في حروب مع الفرس بقيادة هراقل وتم حصار القنسطينطينية، والتخطيط لاقتحام المدينة وهنا قام البطريرك سرجيوس بتعليق أيقونة العذراء على أسوار المدينة ودعا الشعب للصلاة والصمود والمقاومة واليقظة. وإذ عاصفة كبيرة هبت أغرقت سفن الاعداء. فوقف الشعب يرتل هذه الترتيلة متحدثًا باسم المدينة الملكية:

"إني أنا مدينتك يا والدة الإله، أكتب لك رايات الغلبة، يا جندية محامية، وأقدم لك الشكر كمنقذة من الشدائد. لكن بما أنك لك العزة التي لا تحارب. أعتقيني من صنوف الشدائد. حتى أصرخ إليك: أفرحي يا عروسًا لا عروس لها".

 

في المديح مصر واليونان، شعبهما وأرضهما، حاضرتان حضورًا كبيرًا ليس فقط فى تاريخ الحضارت بل أيضًا في أنين وصلوات العبادات. وقد أبدع الأرثوذكس العرب كثيرًا في نقل المديح من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية.

 

يسوع جاء الى مصر مع أمه، ولكنه لم يتوقف أن يأتى إليها بالروح في الصادقين، الساهرين يَرْقبون النور الحقيقي الذي يُنير كل إنسان في مصر، وفي كل المسكونة.

 

عبارة من خمس كلمات "أفرحى يا بحرًا أغرقت فرعون العقلي"، يرتلها الشعب كله، تلخص مجمل تاريخ الخلاص. وتفسر القديم فى الجديد ومسيرة القصد الالهي. العذراء هي البحر اللاهوتي الذي غرق فيه فرعون العقلي. 

ولادة مريم ليسوع ولبوثها عذراء سمت على فكر الفلاسفة ومعلمي الكلام والمحاوريين اليونانيين وباستنارتهم انتشلتهم من عمق الجهل بعبادتهم لآلهة كاذبة إلى معرفة الحق.

 

المسيحية لا تحارب الظلام والظلاميين، بل تنشر نور الحق، ونور الحق هو كفيل بطرد جحافل الظلام وتجار الأباطيل. ليس للمسيحيين، أتباع الناصرى، مشكلة مع الإنسان، كل إنسان، بل مع الظلام الذي يكبل حركة الإنسان ويقتل طاقاته ويعطل ابداعاته ويجهض ولاداته.

 

العبارت السابقة عبارات بسيطة ولكنها ذات دلالات لاهوتية وثقافية عميقة وأنتماآت حضارية. الكتاب المقدس يتم تفسيره في العبادة، كما أن العبادة تنطلق من الكتاب. مَن يترك العبادة ويجلس على مكتبه، فقط، لن يفهم مسيرة التدبير الإلهي في الكتاب الالهي.

 

نتضرع إلى العذراء مريم أم النور أن تنير على بلادنا مصر بدوام نعمة نور الحق، وعلى بلاد اليونان بدوام نعمة الحرية. ومنهما، كما كانوا قديمًا، أن يشرق نور المعرفة للعالم. أمين.