د. رامي عطا صديق
شاءت حركة التاريخ وشاء نضال السيدات أن تجتمع ثلاثة احتفالات خاصة بالمرأة، على مستوى العالم ومصر، خلال شهر مارس من كل عام، حتى يصح اعتباره شهر المرأة، حيث يشهد تركيزًا اجتماعيًا وتكثيفًا إعلاميًا حول مناقشة قضايا المرأة ومشكلاتها، وإلقاء الضوء على إنجازاتها ومكتسباتها، على العكس من بقية أشهر السنة.
يوافق ٨ مارس اليوم العالمى للمرأة، الذى تعود أصوله- حسب البعض- إلى أوائل القرن العشرين، إذ كانت المرأة تعانى ظروفًا قاسية فى مجال العمل، من ظلم وتمييز، وفى مثل هذا اليوم من عام ١٩٠٨م، خرجت نحو ١٥ ألف امرأة فى مسيرة احتجاجية، جابت مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، مُطالبات بتحسين ظروف العمل من حيث تخفيض عدد ساعات العمل، وزيادة الأجور، والمساواة بين الجنسين والحق فى التصويت، وفى السنوات التالية واصلت الحركة النسائية جهودها من أجل إقرار حقوق المرأة، ومع الوقت أصبح يومًا دوليًا للمرأة على مستوى العالم، للدلالة على الاحترام العام للمرأة وتقدير مكانتها وإنجازاتها فى مختلف المجالات والتخصصات.
ويوافق ١٦ مارس يوم المرأة المصرية، فقد اندلعت ثورة المصريين ضد الاحتلال البريطانى صباح يوم الأحد ٩ مارس ١٩١٩م، وفى الأحد التالى، ١٦ مارس، خرجت نحو «٣٠٠» سيدة مصرية فى مظاهرة ضد سلطات الاحتلال البريطانى، يطالبن برحيل الإنجليز واستقلال مصر، وفى هذا اليوم كانت أول شهيدة مصرية من أجل الوطن، هى السيدة «حميدة خليل» أو السيدة «شفيقة محمد» فى كتابات أخرى.
وفى ١٦ مارس ١٩٢٣م، دعت السيدة هدى شعراوى لتأسيس أول اتحاد نسائى فى مصر، على رأس مطالبه رفع مستوى المرأة لتحقيق المساواة السياسية والاجتماعية مع الرجل، من ناحية القوانين وضرورة حصول المصريات على حق التعليم العام الثانوى والجامعى، وإصلاح القوانين فيما يتعلق بالزواج.
أما ٢١ مارس فهو يوافق عيد الأم فى مصر، تكريمًا لدور الأمهات فى تربية الأبناء وتأثيرهن فى المجتمع، حيث يقول أمير الشعراء أحمد شوقى فى إحدى قصائده «الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق».
وعيد الأم له أكثر من تاريخ فى عدد من الدول، وهو يوافق فى مصر عيد الربيع، وكانت البداية عام ١٩٥٦م عندما قامت إحدى الأمهات بزيارة الكاتب الصحفى مصطفى أمين فى مكتبه بصحيفة (أخبار اليوم) وقصت عليه كيف أنها صارت أرملة حين كان أولادها صغارًا، لكنها لم تتزوج وكرست حياتها من أجلهم حتى تخرجوا فى الجامعة، وتزوجوا واستقلوا بحياتهم وانصرفوا عنها تمامًا، فدعا مصطفى أمين وعلى أمين إلى الاحتفال بعيد أو يوم الأم، يكون بمثابة يوم لرد الجميل والتذكير بفضلها، وطرح الكاتب الصحفى على أمين فى عموده اليومى «فكرة» مسألة الاحتفال بعيد الأم قائلًا: «لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نُطلق عليه (يوم الأم) ونجعله عيدًا قوميًا فى بلادنا وبلاد الشرق؟»، وقد كان هذا العيد السنوى.
وإن كانت هناك دعوات سابقة للاحتفال بعيد الأم فى مصر، منها- حسب الباحث والصديق ماجد كامل فى مقال له- دعوة الكاتبة الصحفية منيرفا صادق عبيد، التى أصدرت مجلة (الطالبة) الشهرية بين سنتى ١٩٣٨م و١٩٦٨م، حيث دعت فى مجلتها، عدد يونيو ١٩٣٩م، إلى الاحتفال فى مصر بعيد الأم، على غرار عيد الأم فى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأقطار الأوروبية، موضحة أنه عيد وطنى فى إكرامه المرأة باعتبارها عماد الأسرة والوطن، وهو عيد شعبى فى ترويحه عن النفس وإزالة متاعبها باللجوء إلى حضن الأم، وأنه «وسيلة فقط للتعبير عن شعور عميق فياض يخالج نفوسنا ونعجز عن الإفصاح عنه».
وليس خافيًا أن المرأة نصف المجتمع وراعية النصف الآخر، وأنها أحد مكونات الجماعة الوطنية، حيث تشكل مع الرجل جناحى المجتمع، لا غنى لأحدهما عن الآخر، ولا نجاح لطرف إلا بوجود الطرف الآخر. وإذا كانت المرأة قد حققت الكثير من الإنجازات والمكاسب المشروعة فى مختلف المجالات، فإنها تتطلع، ومعها الحقوقيون وكل من يؤمن بحتمية نهضتها، إلى المزيد من مظاهر التحرر والتمكين، من أجل مصلحة الوطن الذى يضمنا جميعًا ويجمعنا فيه تاريخ واحد ومصير مشترك.وربما من تلك القضايا مسألة القيود الاجتماعية التى يفرضها بعض الأسر والعائلات والمجتمعات على المرأة، واستمرار صور نمطية سلبية عنها، فهى ما زالت عند البعض أقل عقلًا وذكاءً وحكمةً من الرجل، ويرفضون توليها المناصب ولا يرحبون برئاستها بعض المواقع، ليظل هدف تحقيق المساواة بين الجنسين هدفًا مشروعًا من أجل مجتمع أفضل.
نقلا عن المصرى اليوم