كمال زاخر
الإثنين 6 مارس 2025
[5]جزء أول "البابا والرئيس "
ونحن نقترب من مرحلة الأنبا شنودة، اسقفاً وبطريركاً، والتى نحسبها من المراحل المحورية فى تاريخ الكنيسة المعاصر، فقد امتدت لنحو نصف قرن (1962 ـ 2012)، وكانت محتشدة بتحولات متباينة على مسويات عدة، فى العالم والمنطقة والدولة والكنيسة، سقوط وقيام دول، وتفكك قوة عظمى، نجد انفسنا أمام طوفان من الأحداث تغرى القلم أن يبحر فيها، لكنه إذا فعل فلن يخرج منها، وقد تستغرقه بما يتجاوز مساحة سطوره المتاحة، ويزيد العبء إننى عشت تلك المرحلة واشتبكت مع عديد من احداثها الأمر الذى يجعل الحياد فى الطرح أمراً يحتاج إلى تجرد وهو ما ازعم أننى قدرت عليه.
ولست بحاجة إلى القول بأن سطورى ليست تأريخاً بالمعنى العلمى للتأريخ، هى فقط اقتراب يسعى لفهم جذور ومداخل حالة الكنيسة الراهنة، بقدر ما اتيح لى من مصادر حرصت على أن تكون موثقة ومتسقة مع معايشتى لأحداثها، ولا اخفيكم سراً أننى اشفقت على ذلك الشاب الذى كان يحمل حلماً عصياً ترجم طيف منه فيما سجله على صفحات مجلة مدارس الأحد، وكان فيها دينامو التحرير قبل أن يتولى ادارتها ورئاسة تحريرها، والتى انطلق منها الى الرهبنة فى مجازفة محسوبة محملة بالمخاطر.
واشفقت عليه ثانية حين اختير بطريركاً للكنيسة وقد لاح فى الأفق تباشير ترجمة رؤيته، لكن الواقع كان صادماً، داخل الكنيسة وفى الفضاء العام، فقد كان يسبق رفاق التكوين والحلم بخطوة، ولم يكن منحصراً فيما يشغلهم فى دائرة بعث الوعى الكنسى وحسب، بل امتد حلمه إلى أن يجد للقدم القبطى موقعاً فى خريطة العمل السياسى والمشاركة الحقيقة فى رسم خطوطها، الأمر الذى ازعج دوائر عديدة خارج اسوار الكنيسة. وفى الحالين كان راهباً محارباً لا تلين له قناة، وربما يفسر هذا كثير من خياراته وقراراته ومعاركه.
لذلك سأتعرض بايجاز لصدمات، وصدامات، العمل العام بعد اختياره ليجلس على عرش مار مرقس، وتحديداً فى ثلاث توقيتات، الأولى مع السنة الأولى لحبريته، فى مواجهة صعود التيارات المتطرفة، والثانية مع تصاعد وتيرة أسلمة الفضاء العام خاصة فى حلحلة القوانين المدنية وصبغها بصبغة دينية، والثالثة حين تصاعدت المواجهة مع رئيس الدولة، والتى انتهت بصدور قرار رئاسى بعزله وتحديد اقامته بديره، وهو التوصيف المخفف لقرار اعتقاله.
كانت خبرات اسقف التعليم ومشاركاته فى الشأن العام، واحدة من العوامل التى شكلت رؤيته فى ادارة الكنيسة، وكان من الطبيعى أن يشرع فى ترجمة مطالباته التى حملتها سطور مجلة مدارس الأحد حين كان علمانياً والتى طالب بها البابا يوساب الثانى، ونظيرتها التى دونها فى مجلة الكرازة وهو اسقف عام للتعليم، مطالباً بها البابا كيرلس السادس، كانت مطالب تنضح بثوريته، عكستها عناوين المقالات الرئيسية والفرعية والبراويز التى تتخلل المقالات بشكل بارز فى توظيف محكم وداعم لمطالبه.
كانت البدايات مبشرة، يقف ورائها تاريخ طويل من عمل منظومة مدارس الأحد التى أسسها القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس فى مطلع القرن العشرين، بمباركة ودعم البابا كيرلس الخامس، وتوالى تشكيلات اللجنة العليا لها، حتى رحيل الارشيدياكون 1951، وتولى بعده الأستاذ وهيب عطالله قيادتها ـ فيما بعد "الأنبا غريغوريوس اسقف عام البحث العلمى والمعاهد اللاهوتية العليا" ـ ويمتد عملها فى انتشار فصول مدارس الأحد.
"وفى بداية عام 1948 أعلن البابا يوساب الثانى مسئوليته الكاملة عن مدارس الأحد ورعايته لها، وأنه الرئيس الأعلى لها، وبهذا أصبحت مدارس الأحد وكل أنشطتها تابعة رسمياً لإدارة الكنيسة ممثلة فى البابا" وأصدر توجيهاً عاماً للمطارنة والاساقفة والكهنة برعايتها وتقديم تقارير دورية عنها لقداسته فى متابعة منتظمة لها، ويتوالى عقد مؤتمراتها السنوية، واصدار التوجيهات وبرامج دروسها وتنظيم اللقاءات الدورية لأمناء الفروع.
وفى عام 1953 يقرر البابا يوساب، بصفتيه الرئيس الأعلى لمدارس الأحد ورئيس المجلس الملى، نقل مقر اللجنة العليا من مهمشة إلى الأنبا رويس وكذلك الإكليريكية كلها حتى لا تستولى وزارة المعارف (التربية والتعليم) على المبنى المنقولة إليه والحاقة بكلية طب عين شمس، مستشفى الدمرداش الملاصقة، وبعد عام يفتتح قداسته المعهد العالى للدراسات القبطية، الذى اسسه الاستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية استاذ تاريخ العصور الوسطى بآداب الأسكندرية آنذاك، ويعهد التدريس فى اقسامه الإثنى عشر إلى باقة من كبار اساتذة الجامعات كل فى تخصصه.
وكان الاستاذ نظير جيد عضوا فاعلاً في اللجنة العليا لمدارس الأحد، حتى دخوله الدير طلباً للرهبنة (1954)، وحين جلس على الكرسى البابوى قال "مدارس الأحد هى التى جلست على الكرسى".
(لمعرفة المزيد عن نشأة ونمو وتطور منظومة مدارس الأحد يمكن الرجوع الى كتاب "تاريخ مدارس الأحد فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى مائة عام" إعداد لجنة احتفالية مئوية مدارس الأحد ـ 2018، والتى شكلها البابا تواضروس الثانى، والذى قدم الشكر للدكتور مهندس سينوت دلوار شنودة "الذى اهتم بتجميع المصادر والمراجع ليس من الكتب فقط ولكن من الشخصيات التى سجلت بالصوت والصورة ساعات وساعات تحكى فصول ومشاهد فى هذه القصة الممتدة بنعمة المسيح إلى أجيال وأجيال المستقبل" بحسب ما جاء فى تقديم قداسته للكتاب، الذى يربو على الأربعمائة صفحة").
لذلك كانت رساماته للأساقفة فى بواكير عهده من رفاق مشوار اللجنة العليا لمدارس الأحد، والدير، تصب فى ترجمة رؤيته الإصلاحية، التى كانت حلماً فخاطراً فرؤية، وحتى تضحى حقيقة فليس هناك أفضل من رفاق الحلم وندماء الخواطر، وهم من تركوا العالم ورائهم حين طرقوا ابواب الرهبنة. ومد خيط الاختيارات لرفاق اختاروا التكريس وسط الناس طريقاً، وهى خبرة تحتاج لتحليل، من خلال نتائجها على الأرض.
لم تسر الأمور كما كان مرتب لها، إذ تشهد البلاد ظهور التيارات الأصولية الإسلامية، ولم يكن توجه الرئيس السادات لإعادة بعث الجماعات الأصولية مجرد سعى لمواجهة التيارات اليسارية والناصرية التى كات تملأ المشهد لحظة قدومه لموقع رئاسة الدولة، وإن كانت واحدة من دوافع الإحياء الأصولى، فقد سبقها مؤشرات تشير إلى توجهه المبكر.
ففى سنوات حكم يوليو المبكرة، ينعقد المؤتمر الإسلامي العام فى بيروت عام 1955ويحتل السادات منصب الأمين العام له، وفى العام 1963 يصدر كتاباً بعنوان "نحو بعث جديد" تعاود وزارة الثقافة نشره، عام 1975فى سلسلة الكتب التى تصدرها مجلة "الجديد" والتى كان يرأس تحريرها الدكتور رشاد رشدى، والكتاب كما تبين سطوره تجميع لمقالات كتبها فى جريدة الجمهورية، وقت أن كان رئيس تحريرها، وتدور حول حلمه ببعث جديد للإسلام والمسلمين، وان الشعوب الاسلامية تملك معطيات هذا البعث، ويستعرض فضلهم على الغرب الذى بنى تطوره ـ بحسب رؤيته ـ على ما انتجه العرب والمسلمون من نتاج فكرى وثقافى.
وبحسب ما سجله الأستاذ محمد حسنين هيكل فى كتابه "خريف الغضب"، فإن الملك فيصل ـ ملك السعودية ـ نجح فى صيف 1971 فى أن يرتب اجتماعاً بين السادات وبين مجموعة الإخوان المسلمين الذين ذهبوا إلى الخارج، كان من بين هؤلاء الدكتور سعيد رمضان، ويذكر هيكل "أن السادات قال لهم أنه يشاركهم اهدافهم فى مقاومة الإلحاد والشيوعية، وعرض عليهم استعداده لتسهيل عودتهم إلى النشاط العلنى فى مصر، بل وكان على استعداد لعقد تحالف معهم".
كان الإخوان المسلمون ـ بحسب هيكل ـ يدركون رغبة نظام السادات فى التعاون مع العناصر الدينية. ووجد بعضهم رعاية خاصة من أحد الأصدقاء المقربين للرئيس، وهو المهندس عثمان أحمد عثمان، ووجد بعضهم مجالاً فسيحاً فى مشروعاته بالخارج ... وبعد تغير الظروف فى مصر عاد بعضهم اليها ومعهم بعض ما جمعوه من مال، ليجدوا أن "عثمان أحمد عثمان" قد اصبح قوة كبيرة فيها بقرب الرئيس السادات. وكان مازال صديقاً لهم. وقد راح يحاول اقناعهم بالتعاون مع السادات، ولقد حمل إليهم تطمينات كثيرة باسم الرئيس".
تجرى فى النهر مياه كثيرة ليتغير هوى الشارع خاصة فى اوساط الشباب والجامعات، ويقفز إلى المقدمة إسمى المهندس عثمان أحمد عثمان، والسيد محمد عثمان اسماعيل، وكان وقتها محافظاً لأسيوط، وقبلها كان أميناً للاتحاد الاشتراكى العربى، ومن خلالهما يتم دعم الجماعات الاسلامية، خاصة فى الجامعات، مالياً ولوجيستياً، ودعم الترويج للزى الدينى، بحسب وصفهم، الجلابيب القصيرة للشباب والحجاب للشابات، ويذكر هيكل فى كتابه "خريف الغضب" أن شباب تلك الجماعات استطاعوا السيطرة على اتحادات الطلبة، وتطورت سيطرتهم ليعيدوا هيكلة الحياة الجامعية حتى إلى تقرير المناهج فيما يتعلق بالنظريات الفلسفية، ورفعوا شعار "الحفاظ على مكارم الأخلاق"، وتتمدد الجماعات لتفرض سيطرتها على الشارع خارج اسوار الجامعات. والسيطرة على النقابات، والعمل الممنهج لتغيير شكل وذهنية المجتمع ليصبح اسلامياً بحسب رؤيتهم.
كان الأقباط هم الرقم الصعب الذى يعوق تحقيق اقامة الدولة الإسلامية، فكان أن توجهت تلك الجماعات إلى استهدافهم والتضييق عليهم، وتشهد مصر سلسلة من الأعمال الإجرامية ضدهم، فى قرى ومدن الصعيد، وتسمى "أحداثاً طائفية" لترسيخ مسئولية اطرافها عنها، فتتحول من توصيفها جنائياً إلى "مصادمات مجتمعية" يمكن حلها بعيداً عن القانون.
وكان بناء الكنائس بغير تصريح حكومى المدخل الأكبر لكثير من الإعتداءات، ويأتى عام 1972 ليحمل رسالة شديدة الوطأة للبابا الجديد، تمثلت فى هدم كنيسة بمنطقة الخانكة المتاخمة للقاهرة، الإتنين 6 نوفمبر 1972، ويأتى رد فعله سريعاً بتوجيه مسيرة من الكهنة الى موقع الكنيسة والصلاة فوق انقاضها، كانت مسيرة حاشدة، فى اليوم التالى الثلاثاء 7 نوفمبر 1972، لترتج البلاد وتصل إلى حافة الإنفجار.
يشير هيكل ـ بحسب ما وثقه بخريف الغضب، وفصَّله فى كتابه "عام من الأزمات"، إلى دوره فى نزع فتيل الإنفجار، بعد لقاء مع الرئيس وكان الرئيس غاضبا من تصرف البابا، وينجح فى اقناع الرئيس بأن يوجه الرئيس خطاباً الى مجلس الشعب لتقصى حقائق ما حدث، وهو ما قبله الرئيس، ويشكل المجلس لجنة لتقصى الحقائق برئاسة وكيل المجلس الدكتور جمال العطيفى، التى تلتقى بكل اطراف الأزمة وتعاين موقع الأحداث وتقدم للمجلس تقريراً ضافياً يطرح تفاصيل الأزمة وجذورها وتوصيات بالحلول، ويقترح هيكل على الرئيس بعد أن تم تجاوز الغضب أن يلتقى يشيخ الجامع الأزهر وبالبابا شنودة كل فى موقعه، وتتم الزيارات، وتنتهى الأزمة بل لنقل يتم ترحيلها إلى حين.
فى سياق تصاعد مطالب الجماعات اسلمة الشارع والذهنية المصرية قُدِّم مشروع قانون "حد الردة" والذى تمتد أثاره لمحاصرة الأقباط، فيكفى بحسب طرحه أن يستحضر شاهدين بأن شخصاً نطق الشهادين، وعندما ينكر يحسب انكاره ارتداداً يستوجب إقامة الحد عليه، ويستتاب فلو بقى على انكاره يقتل.
إزاء مخاوف الأقباط، وهى تخوفات مشروعة فى مناخ ضاغط ومقلق ، يدعو البابا إلى مؤتمر يناقش قضايا كنسية ويضع على جدول أعماله تدارس تداعيات "مشروع قانون الردة"، ويعقد المؤتمر فى الاسكندرية 17 يناير 1977، وينتهى إلى اعلان صوم الأقباط صوماً جماعياً فى الفترة من 31 يناير الى 2 فبراير 1977، اللافت أن كنائس مصرية من غير الارثوذكس أعلنت تضامنها ومشاركتها فى هذا الصوم، الأمر الذى حسبه الرئيس السادات عصياناً مدنياً، يحمل رسالة ذات مدلول حقوقى سياسى للعالم. لتتصاعد وتيرة الخلاف مجدداً بين البابا والرئيس.
ويصدر المؤتمر بياناً يطالب بعدة مطالب وثقها الاستاذ هيكل فى كتابه:
ـ حرية العقيدة
ـ حرية ممارسة الشعائر الدينية
ـ حماية الأسرة والزواج المسيحى
ـ المساواة وتكافؤ الفرص وتمثيل المسيحيين فى الهيئات النيابية
ـ التحذير من الاتجاهات الدينية المتطرفة
ـ توجيه بيان الى السلطات بطلبات:
* لإلغاء مشروع قانون الردة،
* والعدول عن التفكير فى تطبيق قوانين مسامدة من الشريعة الاسلامية على غير المسلمين
* والغاء القوانين العثمانية التى تقيد حق بناء الكنائس
* واستبعاد الطائفية فى تولى وظائف الدولة على كل المستويات.
* وحرية نشر الفكر والتراث القبطى.
ونجد انفسنا فى مناخ يعيد انتاج ما حدث من تداعيات عقد المؤتمر القبطى بأسيوط 1911 والرد عليه بمؤتمر اسلامى فى ذات العام، إذ يسارع شيخ الأزهر الشيخ عبد الحليم محمود بالدعوة لعقد مؤتمر اسلامى للرد على هذا المؤتمر، والتئم المؤتمر فى يوليو 1977. واصدر بياناً تضمن العديد من القرارات يمكن ايجازها فى أن المؤتمر قرر:
• أن أية قوانين أو لائحة تعارض تعاليم الإسلام تعتبر ملغاة وكأنها لم تكن.
• وأن مقاومة مثل هذه التشريعات واللوائح واجب كل المسلمين.
• تقنين الشريعة الاسلإمية وأحكامها لا يرتهن بقيام البرلمان بإصدار تشريعاته على هذا الأساس
• احكام الشريعة قانون مقدس قَبِل البرلمان أو لم يقبل، لأنه ليس من حق أحد أن يناقش أحكام الله.
• التأخير فى تطبيق الشريعة الإسلامية مراعاة لمشاعر غير المسلمين لا يمكن قبوله.
وأعلن المؤتمر:
• تأييده لما أعلنه الرئيس فى خطابه تطهير احهزة الدولة من الملحدين.
• ووجه المؤتمر نداء بأن يقوم بتطهير أجهزة الإعلام من كل المواد غير الإسلامية.
• وأن يجعل الدين أساساً للتعليم فى كل المراحل.
وبعد اقل من ثلاث سنوات، وفى مطلع 1980 تصدمنا مواجهة جديدة بين الكنيسة والدولة، مع تصاعد ظهور الجماعات الإسلامية، واتجاهها لفرض مطالبها على الدولة، بل وأعلنوا عبر منابرهم فتاوى يجوز بمقتضاها للمجاهدين المسلمين أن يحصلوا على الأموال اللازمة لهم من استباحة أموال المسيحيين، بعد أن تم تجفيف العديد من منابع تمويل تلك الجماعات، بعد مصادماتها مع الدولة. وتصاعدت وتيرة ان تكون الشريعة الاسلامية اساساً لقوانين تطبق على غير المسلمين،.
وقد شهد النصف الأول من هذا العام اعمالاً اجرامية ضد الاقباط وكنائسهم بالاسكندرية، عشية الاحتفال بعيد الميلاد، وكذلك قبيل الاحتفال بعيد القيامة، الأمر الذى دعا البابا شنودة إلى ان يعلن فى اجتماعه الاسبوعى الأربعاء 26 مارس 1980 أمران، الأول رفضه أن تكون الشريعة الاسلامية اساساً لقوانين تطبق على غير المسلمين، والثانى أن صلوات عيد القيامة لهذا العام لن تقام فى الكاتدرائية وان الكنيسة لن تستقبل المهنئين من الرسميين، وقرر أن يذهب الى الدير للصلاة هناك.
الأمر الذى يعتبره السادات تحدياً سافراً له وللدولة ويلقى خطاباً فى 15 مايو 1980 يهاحم البابا شنودة ويتهمه بأنه يريد أن يكون زعيماً سياسياً للأقباط قى مصر، وأنه يعمل من أجل إنشاء دولة للأقباط فى صعيد مصر عاصمتها اسيوط، وهى اتهامات لم يكن لها اساس من الصحة، أغلب الظن أنها جاءت فى تقارير قدمت إليه.
تتفاقم الأمور بشكل أوسع ليجد السادات نفسه فى مواجهة كل القوى السياسية فى مصر، لتصل إلى إحدى ذراها فى 5 سبتمبر 1981 فيصدر العديد من القرارات العنيفة والانفعالية، من ضمنها سحب قرار الدولة بالاعتراف بالبابا شنودة بطريركاً للكنيسة، أى عزله من منصبه، وتشكيل لجنة من خمسة من مطارنة الكنيسة لإدارة شئون الكنيسة وعلاقتها بالدولة، وترتب على هذا تحديد اقامة البابا بديره، والذى استمر لثلاث سنوات تالية، حتى بعد اغتيال الرئيس السادات على يد الجماعات التى احتضنها ودعمها، فى 6 اكتوبر 1981.
حاولت أن أوجز عرضى هنا للعلاقة بين الكنيسة والدولة، بحثاً عن جذور تفسر حال كنيسة اليوم، وسوف نشير إليها فى بقية طرحنا.
يبقى أن نقترب فى جزء ثان من "البابا والكنيسة" وهو فى ظنى حقل ملغوم لكنه يحمل اجابات كثيرة على تساؤلات الجذور.