سامح فوزي
 منذ بضعة أشهر عُقد لقاء فكرى فى دار الإفتاء بعد فترة وجيزة من تولى الدكتور نظير عياد منصب مفتى الجمهورية. هناك التقيت الكاتب والباحث أحمد المسلمانى، الذى تولى مؤخرًا منصب رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، وقد تخرجنا معًا فى نفس العام فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. تحدث على ما أذكر فى عبارات موجزة عن تقييمه لوضع المسلمين فى مختلف بقاع العالم، وقدم اقتراحًا، نال استحسانًا من الحضور، وهو إنشاء أكاديمية للدعاة والعلماء تحمل اسم «الليث بن سعد»، وهو فقيه مصر الذى بلغت شهرته الأفاق، واتسم بالعلم الوفير والزهد رغم الثراء. وكما فهمت من حديث المسلمانى، والذى أنادى به أيضًا منذ زمن، هو ضرورة الركون إلى الفقه المصرى، وعدم الاعتماد على آراء فقهية قادمة من مجتمعات أخرى تحمل ثقافات مغايرة، وأوضاع اجتماعية مختلفة، ولا تعى بالتأكيد طبيعة الأرض المصرية، وتجربة التعددية الدينية بها. وهناك آراء للفقيه الليث بن سعد بالغة التقدم فى مسألة بناء الكنائس، وعدم الإساءة إليها. وأتذكر أن أول معرفة لى بهذا الاسم كانت فى كتابات الراحل الدكتور وليم سليمان قلادة، الذى عشق الحديث عن المواطنة، واستفاض فى شرح جذورها، والأسس التى ترتكن إليها، وكان من ضمن ما كتب أن الليث بن سعد وعبدالرحمن بن عبدالحكم كانا من الفقهاء الذين قدموا فقهًا استوعب التعددية المصرية، واتسم بالرحابة والنظرة المتسعة.

من هنا لم أستغرب قرار المسلمانى إطلاق اسم «الليث بن سعد» على مسجد الهيئة الوطنية للإعلام، وبالتالى صار اسم الإمام الليث عنوانًا لمسجديْن: المسجد الأصلى فى حى الخليفة بمصر القديمة، والثانى بمبنى الإذاعة والتليفزيون فى ماسبيرو، الذى سوف يفتتحه قريبًا بعد التطوير وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهرى. ونقل الإعلام تصريحات على لسان المسلمانى تحدث فيها عن تاريخ الليث بن سعد الذى ولد فى قرية قرقشندة مركز طوخ محافظة القليوبية، وهو يُعد إمام المواطنة والتسامح، وحسب تعبيره ابن حضارتيْن كبيرتيْن الحضارة المصرية والحضارة الإسلامية، ويعتبر معظم المؤرخين الإمام الليث بن سعد إمام مصر ومفتيها الأكبر.

واضح أن أحمد المسلمانى معجب بالليث بن سعد، سواء من حديثه السابق فى دار الإفتاء، أو فى تسمية مسجد ماسبيرو على اسمه، ويبدو أن ما طالب به فى دار الإفتاء، سعى إلى تحقيق بعض منه فى ماسبيرو، فقد أعلن أن العمل جارٍ على إنتاج برنامج تليفزيونى يحمل اسم «كرسى الإمام الليث» يبدأ تصويره فى مسجدى الإمام الليث بمصر القديمة وماسبيرو.

فى أحيان كثيرة نرتطم بآراء فقهية مستوردة، هى بنت مجتمعها، تحمل بصمته، ولا تناسب الحياة على ضفاف النيل. وقد تعرضت مصر إلى موجات من الأفكار المتشددة الوافدة، رغم أن مؤسسة الأزهر بعلمائها على مر التاريخ امتلكت رصيدًا مهمًا من الكتابات والاجتهادات والآراء الفقهية فى شتى مناحى الحياة، اتسمت فى مجملها بالوسطية، ولم تعرف الغلو الذى شاهدناه مع الفقه القادم من الخارج، أو من الكتابات وأنشطة الجماعات المتطرفة، والتى ابتليت بها المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، وتسببت فى مآسٍ عديدة، أول ما دفع ثمنها هم المسلمون أنفسهم. إذ رغم أن الإرهاب والتطرف طال أبناء كل المعتقدات، وقاسى كثير منهم بسبب الاختلاف الدينى أو المذهبى أو الإثنى، إلا أن المسلمين أنفسهم كانوا أكثر الفئات التى طالها الإرهاب، وأوقع فى صفوفها قتلى وجرحى، وشوه نفسية أجيال متعاقبة، وألقى مسحة من الكآبة على المنطقة برمتها، وشكل عائقًا رئيسًا أمام تقدمها.
نقلا عن الشروق