رشدى عوض دميان
"مقدمة" :
هذا المقال كنت قد كتبته منذ عدة سنوات ، ولا أمَّل من إعادة نشره ، لكي أُلِّح على الأباء والأمهات في تعليم أولادهم ، ربما تكون فيه فائدة لهم وللآتين بعدهم ؟!
في عالم اليوم ، حيث تسود الماديات وتطغى على الأدبيات ، وحيث أصبحت الأخلاق والمبادئ والمُثُل العليا السامية عبارة عن مجرد موروثات قديمة وبالية ، حسب وجهة نظر الأجيال الحالية ، ربما يقرأون عنها في كتب التاريخ ، أو يسمعوا عنها من آبائهم وأجدادهم ؟!
هذا العالم الذي باتت فيه المصالح الإقتصادية والرأسمالية للدول الكبرى هى الدافع الأساسي للقضاء على كل ما هو أخلاقي وعلى كل ما يَمُتُ للرُقِيّ الحضاري بِصِلَةٍ ، وبصفةٍ خاصة في مصر لكونها المركز الإشعاعي الذي يُشَّعُ على كل الدول المحيطة بها ، لذلك كان هذا الضَّخ الجاهلي المُتَصحِّر المستمر الذي لا يتوقف للقضاء على الجذور الحضارية المصرية التي أضاءت الطريق نحو كل سُبُل العلم والمعرفة للعالم كله .
وعلى ذلك أصبح الجهل والإنغلاق الفكري والإنفلات الأخلاقي والصفات الدونية وغيرها هى السمة الغالبة على كل الأمور الحياتية اليومية لمعظم الأفراد -إن لم يكن لجميعهم- من الكبار والصغار ، الشباب والكهول، السيدات والرجال، لدرجة أن هذا الجهل والإنغلاق الفكري قد طال حتى الأوساط العلمية الجامعية، بل والدينية؟!
لذلك أَجِد أنه قد أصبح علينا نحن الذين عشنا زمن الرُقِيْ والحضارة ، ونهلنا من العلوم والثقافة والآداب والفنون ما تشكلت عليه شخصيتنا ، لذلك من الواجب علينا أن نقوم بتسليم أولادنا ما تعلمناه وما تسلمناه من وعلى أيدي الرواد في جميع المجالات -ليس الرواد في مصر فقط ، بل كل الروَّاد في جميع أنحاء العالم- ما قدموه للبشرية من المبادئ والقيم ومن كل ما يرتبط بالأخلاقيات والعلوم الإنسانية المختلفة ؟!
فقط الآن عليكم أن تعلموا أولادكم إدراك أهمية الركائز الصحيحة والأسس القويمة التي تُبْنَى عليها شخصيتهم وكيانهم .
علموهم أهمية قراءة ودراسة الأعمال الأدبية والفنية والفكرية عامة للكُتَّاب التنويريين المصريين والعالميين وغيرهم .
علموهم كيف يستمعون لأعمال كبار الموسيقيين المصريين وأيضاً كيف يستمعون ويستمتعون بالموسيقى والسيمفونيات وحفلات الأوبرا المصرية والعالمية .
علموهم قراءة كتب التاريخ والتراث المصرى القديم بصفة خاصة ، من خلال زيارة المتاحف والمناطق الأثرية التي لا تزال شاهدة على عظمة الإنسان المصرى وعلى أول الحضارات التي قدمها للعالم .
علموهم الدقة والتدقيق فيما يكتبونه ، وعلموهم إحترام اللغة كتابةً ونُطْقَاً ، وأن اللغة العربية تُكْتَبُ بالحروف العربية فقط وليس بالحروف اللاتينية ، واسألوهم لماذا لا تُكْتَب الكلمات الأجنبية بحروف عربية ،
علموهم أن المبالغة في تكرار نفس "الحرف الواحد" في "الكلمة الواحدة" لا يُضِيِف معنىً على معناها ، بل هذه المبالغة تُزِيِد من عدم الجدية والإستخفاف ، ويُقَلِّل من شأن من يكتبونها لهم ؟!
علموهم أن لا يلتفتوا وأن لا يتأثروا بهذا السفه والهطل الدائر نهاراً وليلاً على القنوات الفضائية من تفاهات وسخافات غير موضوعية ، وأن لا يعتبروا مقدمي ومقدمات البرامج التليفزيونية التافهة مثالأ يقتدون بهم ، هؤلاء الذين كل مؤهلاتهم لا تزيد عن الملابس والأزياء الحديثة التي يرتدونها ، ناهيك عن تفاهة مفردات الكلمات التي ينطقونها والتي بلا معنى ، ولا بلا مغزى ؟!
أبعدوا أنظارهم عن الفقرات الإعلانية التي تذاع عن المأكولات والمشروبات المخلوطة بالألوان والمواد الكيماوية التي تعطي مجرد الطعم والمذاق والرائحة ؟!
وهذه كلها من المواد الضارة بالصحة ؟!
علموهم الإعتماد على أنفسهم فى المذاكرة وتحصيل المواد الدراسية
وليس على الدروس الخصوصية ، هذه التي أصبحت من العمليات التجارية الرابحة والتي تديرها عصابة ممن يدعون أنهم من المدرسين أو المُعَلِّمِين ؟!
علموهم الحب والمحبة للجميع وقبول الآخر ، والتعامل معهم بدون أي تمييز ديني أو طبقي أو إجتماعي .
علموهم كيف يستقوا أصول وقواعد وتعاليم الديانات فقط من الكتب السماوية ، وليس مما يَتَفَوَّه به أصحاب المصالح الذين يدَّعون أنهم وكلاء
الله على الأرض ؟!
علموهم فضيلة الإحترام للكبار ، بل وعلموهم ضرورة وأهمية أن يقبلوا أياديهم والإنحناء أمامهم تبجيلاً وتعظيماً وتقديراً لهم .
فقط علموهم "ألف باء" الحياة الإنسانية ، وسلموهم كل ما تعلمتموه من فضائل كريمة ، ومُثُل قويمة ، وتقاليد عريقة .
أنيروا لهم طريق العلم والدراسة والمعرفة ، وأفسِحُوا لهم سُبُلْ التعقل والتفهم والفحص والإستقصاء حتى يستطيعوا الخروج من نفق الجهل المعتم والمظلم .
"علموا أولادكم قبل فوات الأوان" ....
علموهم ٠٠٠٠
لعل وعسى أن نعود لنلحق بركب الحياة
الآدمية والإنسانية الحقيقية
التي كنَّا عليها منذ قديم الزمان ؟!