محرر الأقباط متحدون
"إنَّ إعداد الاحتفالات الليتورجية وقيادتها يتطلبان الجمع بين الحكمة الإلهية والحكمة البشرية. فالأولى تُكتسب من خلال الصلاة، والتأمل، أما الثانية فتأتي من الدراسة، والبحث المتعمق، والقدرة على الإصغاء. ولكي تنجحوا في هذه المهام، أوصيكم بأن تبقوا أنظاركم موجهة نحو الشعب" هذا ما كتبه قداسة البابا فرنسيس في رسالته إلى المشاركين في الدورة للمسؤولين عن الاحتفالات الليتورجية الأسقفية
بمناسبة الدورة للمسؤولين عن الاحتفالات الليتورجية الأسقفية التي تنظّمها جامعة القديس أنسلمو الحبريّة في روما وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة إلى الأساتذة والطلاب المشاركين في هذه الدورة كتب فيها أحيي رئيس الدير، وعميد المعهد الحبري الليتورجي، مع الأساتذة والطلاب الذين تابعوا هذه النسخة الثانية لدورة المسؤولين عن الاحتفالات الليتورجية الأسقفية. يسعدني أن أرى أنكم قد استجبتم مجددًا للدعوة التي وردت في الرسالة الرسولية "Desiderio desideravi"، وواصلتم دراسة الليتورجيا، ليس فقط من الناحية اللاهوتية، بل أيضًا من حيث الممارسة الاحتفالية.
تابع البابا فرنسيس يقول هذا البُعد يلمسّ حياة شعب الله، ويكشف له طبيعته الروحية الحقيقية. لذلك، فإن المسؤول عن الاحتفالات الليتورجية ليس مجرد أستاذ في اللاهوت، وليس مجرد شخص يطبق القواعد الطقسية، وليس مجرد شماس يهتم بإعداد ما يلزم للاحتفال. بل هو معلمٌ في خدمة صلاة الجماعة. وبينما يعلّم فن الليتورجيا بتواضع، عليه أن يقود جميع المشاركين في الاحتفال، منظمًا الإيقاع الطقسي ومرافقًا المؤمنين في الحدث الأسراري.
وكمعلم هو يُعِدُّ كل احتفال بحكمة من أجل خير الجماعة، ويترجم أيضًا المبادئ اللاهوتية التي تتضمنها الكتب الليتورجية إلى ممارسة احتفالية. كما أنه يعضد الأسقف ويعاونه في دوره كحارس ومعزز للحياة الليتورجية. وبهذه المساعدة، يستطيع الراعي أن يقود الجماعة الأبرشية بأكملها برفق في تقدمة الذات للآب، اقتداءً بالمسيح الرب.
أضاف الأب الأقدس يقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، تنظر كل أبرشية إلى الأسقف وكرسيه كنموذج يُحتذى به في الاحتفال. لذلك، أشجعكم على اعتماد أسلوب ليتورجي يُعبّر عن اتباع المسيح، متجنبين الإسراف غير الضروري أو أي شكل من أشكال التمحور حول الذات. أدعوكم لكي تقوموا بخدمتكم بروح التواضع، بدون أن تتفاخروا بنتائج عملكم، وأحثكم على أن تنقلوا هذه الروح إلى الخدام، والقراء، والمرتلين، مستلهمين بما جاء في المزمور ١١٥ والمذكور في مقدمة قانون القديس بندكتس: " لا لنا يا رب لا لنا بل لاسمك أعط المجد".
تابع الحبر الأعظم يقول في كل عمل تقومون به، تذكّروا أن العناية بالليتورجيا تعني أولًا العناية بالصلاة، أي باللقاء مع الرب. عندما أعلن القديس بولس السادس القديسة تريزا الأفيليّة معلمة للكنيسة، وصف خبرتها الصوفية بأنها محبة تتحول إلى نور وحكمة: حكمة الأمور الإلهية وحكمة الأمور البشرية. فلتكن هذه المعلمة العظيمة في الحياة الروحية مثالًا لكم، لأن إعداد الاحتفالات الليتورجية وقيادتها يتطلبان الجمع بين الحكمة الإلهية والحكمة البشرية. فالأولى تُكتسب من خلال الصلاة، والتأمل، أما الثانية فتأتي من الدراسة، والبحث المتعمق، والقدرة على الإصغاء. ولكي تنجحوا في هذه المهام، أوصيكم بأن تبقوا أنظاركم موجهة نحو الشعب، الذي هو رعية الأسقف وأبناؤه، وهذا الأمر سيساعدكم على فهم احتياجات المؤمنين، وكذلك على تحديد الأساليب والوسائل التي تعزز مشاركتهم في العمل الليتورجي.
أضاف الأب الأقدس يقول وبما أنَّ العبادة هي عمل الجماعة كلها، فإن اللقاء بين العقيدة والعمل الرعوي ليس مجرد تقنية اختيارية، بل هو عنصر جوهري في الليتورجيا، التي يجب أن تتجسد دائمًا في الثقافة، معبّرة عن إيمان الكنيسة. وبناءً على ذلك، فإن أفراح وآلام وأحلام ومخاوف شعب الله تملك قيمة تفسيرية لا يمكننا إغفالها. وأود في هذا السياق أن أذكّر بما كتبه أول عميد للمعهد الحبري الليتورجي، الأباتي سالفاتوري مارسيلّي، عام ١٩٦٤، حينما دعا برؤية مستقبلية لكي تؤخذ بوعي رسالة المجمع الفاتيكاني الثاني، مؤكدًا أنه لا يمكن تحقيق عمل رعوي حقيقي بدون الليتورجيا، لأنها الذروة التي يتوق إليها عمل الكنيسة كلّه.
وختم البابا فرنسيس رسالته بالقول إذ أدعوكم لكي تجعلوا هذه الكلمات الرؤية الأساسية لخدمتكم، أتمنى لكل واحد منكم أن يحمل دائمًا في قلبه شعب الله الذي يرافقه في العبادة بحكمة ومحبة. ولا تنسوا أن تصلوا من أجلي.