هاني لبيب
تواجه إيران تحديات متعددة على الصعيدين الداخلى والخارجى. على الصعيد الداخلى، هناك ضغوط اقتصادية نتيجة العقوبات الدولية، بالإضافة إلى التوترات الاجتماعية والسياسية. أما على الصعيد الخارجى، فتواجه إيران عزلة دولية متزايدة نتيجة سياساتها الإقليمية وتدخلاتها فى شؤون الدول المجاورة. لذا تأتى أهمية الحوار الذى نشرته جريدة المصرى اليوم، أمس الخميس، مع كمال خرازى، «وزير الخارجية الإيرانى الأسبق، رئيس المجلس الاستراتيجى للعلاقات الخارجية»، فى وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية معقدة.
أشار «خرازى» بوضوح إلى أن إيران قد تضطر إلى إعادة النظر فى عقيدتها النووية إذا تعرضت لتهديد وجودى، خاصة من قِبَل إسرائيل. وهو تصريح يعكس تصاعد التوترات بين البلدين، ويثير النقاش حول مستقبل الاستقرار فى المنطقة.. خاصة أن مثل هذه التصريحات قد تؤدى إلى زيادة المخاوف الدولية بشأن احتمالية اندلاع سباق نووى فى المنطقة.
تطرق الحوار إلى العلاقات الإيرانية مع دول الخليج، حيث أكد «خرازى» أهمية الحوار والتفاهم المتبادل لحل الخلافات. وذلك رغم أن هناك العديد من التصريحات السابقة لبعض المسؤولين الإيرانيين.. التى أثارت استياء واسعًا. وعلى سبيل المثال، تصريحات «خرازى» التى طعنت فى عروبة إحدى الدول العربية.
وصف «خرازى» ما يحدث فى سوريا بأنه مؤامرة أمريكية- إسرائيلية.. محذرًا من مخاطر تقسيمها. وهو موقف يعكس رؤية إيران، التى تعتبر نفسها داعمًا رئيسيًّا للحكومة السورية فى مواجهة ما تصفه بالمخططات الخارجية. ومع ذلك، فإن هذا الدور الإيرانى يثير جدلًا واسعًا لكونه يسهم فى تعقيد الأزمة ويزيد من حدة الصراع الطائفى والدينى فى المنطقة.
أوضح «خرازى» أن إيران ترى فى دعم حركات المقاومة الفلسطينية مثل: حماس.. واجبًا دينيًا وأخلاقيًّا، وليس مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية. وهو ما يثير إشكالية تأثير هذا الدعم على توازن القوى فى المنطقة ودوره فى تأجيج الأزمات والصراعات.
انتقد «خرازى» أداء الجامعة العربية على اعتبار أنها لم تحقق الأهداف المرجو من وجودها فى تعزيز التضامن العربى وحل الخلافات الداخلية. يعكس هذا الانتقاد رؤية إيران التقليدية التى تشكك فى فعالية الجامعة العربية. وهو أمر صحيح إلى حد كبير.. غير أن موقف إيران يرتكز على تقليل تأثير أى تجمع عربى على سياساتها الإقليمية.
أشاد «خرازى» بدور مصر التاريخى فى المنطقة، ودعا إلى أهمية تعزيز العلاقات بين القاهرة وطهران فى سياق سعى إيران لكسر عزلتها الإقليمية.. خاصة بعد التوترات التى شهدتها علاقاتها المعقدة والمحملة بالتحديات التاريخية مع العديد من الدول العربية منذ وصول الملالى إلى حكم إيران. وقد تجاهل «خرازى» أن التباينات الأيديولوجية والسياسية من جهة، والتحالفات الإقليمية المختلفة من جهة أخرى.. قد تعوق تحقيق تقارب حقيقى بين البلدين. كما أن أى خطوة نحو تعزيز هذه العلاقات يجب أن تكون مدروسة بعناية، وتأخذ فى الاعتبار التوازنات الإقليمية والحساسيات الداخلية لكل دولة.
تناول «خرازى» مسألة ضرورة الحوار بين إيران والسعودية لحل الخلافات القائمة، مشيرًا إلى أن التوتر بين البلدين لا يخدم استقرار المنطقة. وهو تصريح يعكس اعترافًا بأهمية المملكة وتأثير التوترات الثنائية على الأمن الإقليمى. ولا ننسى هنا أن تدخلات إيران فى الشؤون الداخلية للدول العربية هى أحد أهم الأسباب للتوتر. لذا، فإن تحقيق حوار حقيقى بَنّاء يتطلب من إيران مراجعة سياساتها الإقليمية، والالتزام بمبدأ عدم التدخل فى شؤون الآخرين، واحترام سيادة الدول.
نقطة ومن أول السطر..
تصريحات الدكتور كمال خرازى تعكس رغبة إيران فى إعادة تشكيل علاقاتها مع الدول العربية الرئيسية والمؤسسات الإقليمية. ومع ذلك، فإن تحقيق تقدم حقيقى فى هذا السياق يتطلب من طهران اتخاذ خطوات ملموسة لبناء الثقة، والالتزام بمبادئ حسن الجوار، والامتناع عن السياسات التى تزعزع استقرار المنطقة. ما سبق فقط.. هو الذى يمكن أن يكون المدخل لتحقيق تعاون إقليمى مثمر يسهم فى تعزيز الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط.
نقلا عن المصرى اليوم