كريمة كمال
الدكتورة جليلة القاضى، الأستاذ المتفرغ للتخطيط العمرانى بجامعات فرنسا، صدر لها أخيرًا كتاب ضخم عن الجبانات. الجبانات التى تم هدم الكثير منها، قررت الدكتورة جليلة بهذا الكتاب أن تحتفظ بهذا الإرث الضخم بين دفتى كتابها.
أكتب هنا عن الدكتورة جليلة ليس بسبب كتابها الشديد الأهمية، والذى جاء فى وقته تمامًا، لكننى أكتب عنها بمناسبة التصريح بأنه سوف يحوّل القاهرة الخديوية أو وسط البلد إلى ما يشبه وسط البلد فى دبى. هل يمكن أن يتصور أحد منا أن تشبه وسط البلد، ذات المعمار الرائع الذى لا يتكرر سوى فى مدن قليلة فى العالم كله، دبى، التى هى مثال للحداثة؟، هل تصلح مثل هذه المقارنة، أم أن هذا التشبيه يضجّ مضاجعنا خوفًا على القاهرة الخديوية من إفسادها بدواعى التطوير، وهو ما حدث أيضًا فى الإسكندرية؟، فهل نصمت على ذلك، أم نعلن رفضنا، والمطلوب حقًا هو الحفاظ على هذا المعمار النادر بأى شكل من الأشكال وبكل الطرق، كما يتم الأمر فى باريس أو لندن أو روما؟.
لقد تم ترميم جزء من القاهرة الخديوية فى الأعوام السابقة، وعن هذا الأمر تتحدث الدكتورة جليلة القاضى فى بوست لها على الفيسبوك، حيث تقول: «أعطِ ما لقيصر لقيصر.. نشرت صديقتى وزميلتى أمنية عبد البر بوست قالت فيه: لولا شركة الإسماعيلية لكانت وسط البلد خرابة. عفوًا، أمنية، إن كنتوا نسيتوا اللى جرا، هاتوا الدفاتر تنقرا.. قبل نشأة الإسماعيلية، كان هناك تراكم معرفى ومشاريع نُفذت على الأرض وحملات توعية، بدءًا من عام 2007 على ما أذكر واستمر بعدها».
وتضيف: «تمت المطالبة لأول مرة بوضع التراث العمرانى والمعمارى الحديث، الذى يعود لنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكان أول من طالب بذلك حسن فتحى فى مؤتمر عن القاهرة، فى إشارة له إلى هليوبوليس، حيث قال إنها أنجح زواج بين الشرق والغرب. ثم جاء اهتمام باحثين أجانب بالقاهرة الخديوية، وصدور موسوعة الدكتور محمد شرابى باللغة الألمانية، وكتب وأبحاث فى العديد من النشرات العلمية، ثم فى نهاية التسعينيات قيام مستثمرى البورصة المصرية بتمويل عمليتى تحويل شارع الألفى وسراى الأزبكية، وترميم العديد من المبانى».
وتحكى الدكتورة جليلة القاضى عن المشاريع التى رممت أجزاء من وسط البلد والقاهرة الخديوية فى مشروع ممول من المجموعة الأوروبية، وتتحدث عن قاعدة بيانات متكاملة عن المبانى ذات القيمة فى القاهرة الخديوية، وكيف تم وضع منهج لترميم المبانى. ثم تتحدث عن مشروع إعادة إحياء القاهرة الخديوية، وتقول: «كنا ثلاثة، أنا والدكتورة سهير حواس والدكتورة سحر عطية، مستشارات للمحافظ، ثم أصدرت الدكتورة سهير حواس كتابها الهام عن القاهرة الخديوية، ثم تلاه كتابى عن مركز مدينة فى حالة سيولة، ثم كتاب شركة الإسماعيلية».
هذا البوست يضم تاريخ القاهرة الخديوية، ومن يمكن الاستعانة بهم لتطويرها، وليس أن نأتى بمن يطور لنا مدينتنا التاريخية! ارجعوا لهؤلاء، واجعلوهم المرجع الأول للتطوير، الذى من المفترض أن يكون هدفه أن تظل القاهرة الخديوية خالدة كما هى، وليس أن نجعلها شبيهة بمدينة حديثة ليس لها أى عمق تاريخى. العمق التاريخى هو الأساس، فاعرفوا تاريخ الاهتمام بمنطقة وسط البلد، وكيف أن هناك قاعدة بيانات متكاملة يمكن الرجوع إليها للحفاظ على وسط البلد للأجيال القادمة، لتتباهى بها مثلنا.
نقلا عن المصرى اليوم