هاني صبري - الخبير القانوني. والمحامي بالنقض
بين الحين والآخر تطفو على سطح ظاهرة ما بات يعرف بالمستريح أو المحتال الذي يستولي على أموال المواطنين لتكشف عن عمليات نصب واحتيال واسعة تستهدف الحالمين بالثراء السريع .
حيث أدى التطور التكنولوجى، وثورة المعلومات، والتقدم التقنى إلى تطور أنماط جديدة من الجرائم والمجرمين، يستغلون ثمار التقدم العلمى، وينتهزون فرصة تردد الأفراد فى الاستثمار، وعدم إيداع أموالهم في البنوك، ويريدون الكسب السريع، والربح بدون عناء ، فيقوم المستريح أو المحتال باستعمال مظاهر خادعة بسيطة، إلى الادعاء بامتلاك مشروعات وهمية تُدار من خلال مظاهر خارجية يحرص المحتالون على إكسابها لإضفاء الثقة على الضحايا ، وستر الأساليب الاحتيالية بوجود وثائق ومقار وإعلانات وغيرها للاحتيال وإيقاع الضحايا.
# ومن بين هذه الجرائم الاحتيالية ما قامت به شركة FBC بالاحتيال علي المواطنين والاستيلاء على أموالهم بزعم استثمارها لهم في مجال البرمجيات والتسويق الإلكتروني وإيهامهم بمنحهم أرباح مالية مزعومة .
واستولت المنصة على مليارات الجنيهات من مئات الآلاف من المواطنين. واغلقوا المنصة وهربوا.
وقد تمكنت وزارة الداخلية من إلقاء القبض على ثلاثة عشر متهماً في علميات النصب من منصة FBC.
وقيام تشكيل عصابي (يتزعمه ثلاثة عناصر يحملون جنسيات أجنبية "متواجدين بالبلاد" مرتبطين بشبكة إجرامية بالخارج ) متخصص في مجال النصب والاحتيال الإلكتروني والاستيلاء على أموال المواطنين.
ولابد أن يتم تحرير محاضر ضد الشركة في مباحث الانترنت.
إن المتهمين اتفقوا فيما بينهم على ممارسة نشاط تجاري دون الالتزام بأحكام القانون 146 لسنة 1988 وأخبرا المجني عليهم بقدرتهم على تحقيق أرباح طائلة لهم من هذا النشاط فوثقوا فيهم وحصلا منهم على مبالغ تقدر بالمليارات بحجة استثمارها ومضاعفة هذا المبلغ عن طريق تحقيق الأرباح وعملوا سجل تجاري للشركة وإيهام المواطنين بمظاهر كاذبة حتى يكتمل المشروع الإجرامي لهم، وبعد مرور مدة دون الوفاء بما التزموا به فلم يتسلم أي من المجني عليهم ثمة أرباح فطالبوا برد أموالهم إليهم فامتنعوا عن ردها دون وجه حق .
في تقديري الشخصي أن المتهمين ارتكبوا جريمتي تلقي أموال لاستثمارها بالمخالفة للأوضاع المقررة قانوناً والامتناع عن ردها لأصحابها ، وجريمة توظيف الأموال شرط تحققها تلقي الجاني المال من الجمهور بغير تمييز ودون أن تربطه بالمجني عليه علاقه خاصة وذلك وفق (الفقرتان الأولتان من المادتين الأولى و 21 من القانون رقم 146 لسنة 1988 .
وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 146 لسنة 1988 في شأن الشركات العاملة في مجال تلقى الأموال لاستثمارها قد حظرت على غير الشركات المقيدة في السجل المعد لذلك بهيئة سوق المال أن تتلقى أموالاً من الجمهور بأية عملة أو أية وسيلة تحت أي مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء كان هذا الغرض صريحاً أو مستتراً ، كما يحظر على غير هذه الشركات توجيه دعوه للجمهور بأية وسيلة مباشرة أو غير مباشرة للاكتتاب العام أو لجمع هذه الأموال لتوظيفها واستثمارها أو المشاركة بها.
ونصت الفقرة الأولى من المادة 21 من هذا القانون على أنه : " كل من تلقى أموالاً على خلاف أحكام هذا القانون ، أو امتنع عن رد المبالغ المستحقة لأصحابها كلها أو بعضها ، يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مثلي ما تلقاه من أموال أو ما هو مستحق ويحكم على الجاني برد الأموال المستحقة إلى أصحابها . وتنقضي الدعوى الجنائية إذا بادر المتهم برد المبالغ المستحقة لأصحابها أثناء التحقيق ، وللمحكمة إعفاء الجاني من العقوبة إذا حصل الرد قبل صدور حكم نهائي في الدعوى ". ونصت الفقرة الأخيرة من المادة سالفة الذكر على أنه " يعاقب بالسجـــــن وبغرامة لا تقل عن خمســـين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه كل من وجه الدعوة للاكتتاب العام أو لجمع هذه الأموال بالمخالفة لما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون ذاته.
ولما كان نص المادة الأولى من ذات القانون يحظر على غير الشركات المحددة فيه تلقي أموال من الجمهور لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها ، فإن الشرط المفترض في الركن المادي لتلقي الأموال المؤثم أن يكون التلقي من الجمهور أي من أشخاص بغير تمييز بينهم وبغير رابطة خاصة تربطهم بمتلقي الأموال ، وهو ما يعني أن تلقي الأموال لم يكن مقصوراً على أشخاص معينين بذواتهم أو محددين بأعينهم وإنما كان مفتوحاً لكافة الناس دون تمييز أو تحديد ، دل على ذلك استعمال المشرع لكلمة " الجمهور " للتعبير عن أصحاب الأموال ، فالجمهور في اللغة " الناس جلهم " وأن " الجمهور من كل شئ معظمه " وهو ما يوافق قصد المشرع على ما أفصحت عنه الأعمال التحضيرية لمشروع القانون المشار إليه ومناقشته في مجلس الشعب ، فقد أوضح أحد أعضاء المجلس المقصود من النص المذكور بقوله : " المقصود بهذا النص هو تنظيم مسألة التعرض لأخذ أموال الجمهور بغير تمييز، أما بالنسبة للاتفاقات الخاصة المحددة بين فرد أو أكثر وبعض الأفراد الذين تربطهم علاقات خاصة تدعو للطمأنينة بين بعضهم البعض ، ودون عرض الأمر على عموم الجمهور ، فإن هذه المادة وهذا المشروع لا يتعرض لها .
ولما كانت شركة FBC قد حصلت بطريق الاحتيال على الجمهور بدون تمييز أو رابط فإن الجريمة ثابتة في حقهم وفق صحيح القانون.
جدير بالذكر أن جرائم الاحتياط المرتبطة بالأموال والائتمان مرتفعة بعد ثورة 2011، وظهور ما يطلق عليه "المستريح" فى معظم المحافظات، هذا الأمر تستحق الوقوف على أبعادها ورصد دوافع استمرارها داخل المجتمع.
ويجب توعية كافة أطياف وفئات المجتمع بتحرى الدقة إزاء هذه الأنماط من الجرائم ، وذلك بالتوازي مع الجهود الحثيثة التي تبذلها الأجهزة الأمنية والتشريعية لتجنب تكرار واستمرار هذه الظاهرة والتعامل بكل جزم وفقاً للقانون مع تلك الجرائم التي تضر المجتمع .