بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر

      أبانا الذي فى السموات هى تعليم ربنا يسوع المسيح الذكية للبشرية المحبوبة جدا لديه.

    حيث يذكر فى العهد القديم "لذتى مع بنى البشر" (ام 8: 31) الذى علمنا ايضا ان نقول " يارب انت ابونا "(اش 64: 8).

    اما فى العهد الجديد يقول القديس يوحنا الأنجيلى " وكل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله .. الذين وُلدوا من الله "(يو1 : 12، 13)، وأيضًا (1بط23:1) " مولودين ثانية بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد "، وأيضًا  (يع18:1) " شاء فولدنا بكلمة الحق ".

   في هذا يقول القدّيس أثناسيوس الرسولي:  إن كان يريدنا أن ندعو أباه أبًا لنا، فيليق بنا على هذا الأساس ألا نقيس أنفسنا بالابن حسب الطبيعة، فإنه بسبب الابن ندعو الآب هكذا. إذ حمل الكلمة جسدنا، وصار فينا، لذلك يُدعى الله أبانا بسبب الكلمة الذي فينا، فإن روح الكلمة الذي فينا يدعو أباه خلالنا كأب لنا، الأمر الذي عناه الرسول بقوله: "أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا: يا أبّا الآب" (غل 4: 6).

فلهذا يليق بنا أيها الإخوة الأعزّاء أن ندرك أنّنا لا ندعو الذي في السماوات "الآب" فحسب بل "أبانا"... أي أب للذين يؤمنون، الذين يتقدّسون بواسطته ويتجدّدون بميلاد النعمة الروحيّة فبدءوا يصيرون أبناء لله.

   من أبانا الذي فى السموات تعلمنا من ؤبنا يسوع المسيح معنى التقديس الحقيقى.

حيث يشرح القديس كيرلس الكبير: قول الأبناء للآب " ليتقدس اسمك " بأن [ الله ليس محتاجًا إلى مزيد من القداسة، منا إذ هو كُلىَّ القداسة وهو مانح القداسة للخليقة ].

إنها ليست طلبة تخص اسم الله إنّما تخصّنا نحن في علاقتنا بهذا الاسم القدّوس. فإن كنّا نحن أبناءه فإن اسمه يتقدّس فينا بتقديسنا بروحه القدّوس. بل إن ليتقدس اسمك معناها [ليت اسمك يُحفظ مقدسًا فينا، فى أذهاننا وإرادتنا].

ومن أبانا الذي فى السموات تعلمنا أن نضع إرادة الله الآب فوق إرادتنا ومشيئته قبل مشيئتنا، وعلمنا أن نسلم له كل أمور حياتنا كي ما نُحمل علي الاكتاف كالبنين. وعلمنا أن مشيئة الله نافذة علي الكل وفي كل مكان في السماء وكذلك علي الأرض.

فهذا يقول القدّيس كبريانوس: [إذ يعوقنا (العدو) عن طاعة مشيئة الله بأفكارنا وأعمالنا في كل شيء، لهذا نصلّي ونطلب أن تتم مشيئة الله فينا، ولكي يتحقّق ذلك نحن في حاجة إلى إرادته الصالحة أي معونته وحمايته، إذ ليس لأحد القدرة من ذاته على ذلك.]

    ومنه تعلمنا أن نطلب خبزنا الحي النازل من السماء الذي يعطي الحياة لكل من يتناول منه.

يقول القدّيس أغسطينوس: هب لنا الأمور الأبديّة (الطلبات السابقة)، أعطنا الأمور الزمنيّة. لقد وعدت بالملكوت فلا تحجم عنّا وسيلة الحياة. ستعطنا مجدًا أبديًا إذ تهبنا ذاتك فيما بعد، أعطنا على الأرض المئونة الزمنيّة... بلا شك هذه الطلبة تُفهم عن الخبز اليومي من ناحيتين: القوت الضروري للجسد والمئونة الروحيّة الضروريّة. توجد مئونة لازمة للجسد لحفظ حياتنا اليوميّة، بدونها لا نقدر أن نعيش وهي الطعام والملبس، لكن بذكر الجزء (الخبز) نقصد الكل.

   وقد تعلمنا في هذه الصلاة الالهية أن نغفر ونصالح ونتصالح مع الذين يسيئون إلينا حتي ما ننال المصالحة من الله الآب وننال غفران خطايانا ونحيا معه للأبد.

     بحسب القدِّيس كيرلس الأورشليمي:  الإساءات إلينا صغيرة وطفيفة، ومن السهل علينا إن نغفرها، أما إساءتنا نحن نحو الله فكبيرة ولا سبيل لنا غير محبَّته للبشر، فاحذر إذن من إن تمنع الله - بسبب ما لحق بك من إساءات صغيرة طفيفة - إن يغفر لك ما ارتكبته نحوه من ذنوب كبيرة.

   أبانا الذي في السموات: صلاة إلهية علمنا إياها رب المجد يسوع المسيح بنفسه ليرفع عقولنا وقلوبنا إلى السموات ومجدها، ونترك الأرض وما عليها ومافيها.

   إن صلاة أبانا الذي في السموات صلاة كافية لكل الناس وقوية إذ بها ندخل إلي عمق الله الآب، لأنه أبا سماويا باقٍ للأبد اسمه ممجد ومقدس، وعلمنا أن نطلب ملكوت السموات لنحيا فيه للأبد.

حسب قول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: أن هذه الصلاة في الحقيقة إنّما تقدّم باسم الجماعة كلها، حتى إن قدّمها الإنسان في مخدعه. إنه يصلّي باسم الكنيسة كلها بكونه عضوًا فيها. إنه يقول: [يعلّمنا تقديم صلواتنا بصفة عامة لحساب إخوتنا أيضًا، فلا يقل: "أبي الذي في السماوات"، بل "أبانا"، مقدّمًا الطلبة لحساب الجسد في عموميّته، طالب في أي موضع لا ما هو لنفسه بل ما هو لصالح إخوته.]

 وإن كانت هذه الصلاة الربانية تبدأ باسم الآب الذي في السموات علمنا الآباء أن نختمها باسم الرب يسوع المسيح ذلك الاسم الذي فيه الخلاص.

فى الحقيقة أن صلاة أبانا الذي فى السموات لا نرفع قلوبنا نحو جلد السماء بل إلى أعماق قلوبنا بكونها "السماء" التي يقطنها أبونا السماوي. فإن كان الله يسكن في هيكلة وقد دعا القدّيسين هيكلاً له، لذلك فإن القول: "أبانا الذي في السماوات" يعني "الذي في القدّيسين".هى أنشودة الصباح والمساء ومقدمة وختمة كل ساعة وكل صلاة لكل مسيحيى منذ نشاة الكنيسة إلى أبد الأبدين أمين.