هانى دانيال
 في ختام مؤتمر ميونيخ للأمن، حدث اختلافا بين واشنطن واوروبا  بشأن قضايا الأمن والديمقراطية، بعد تصريحات نائب الرئيس الأمريكي  جى دى فانس ، الذي انتقد أوروبا لتراجع حرية التعبير، وعدم الانصات لأصوات الناخبين، فيما يعرف بـ "جدار الحماية" الذي ترفعه - علي سبيل المثال- الأحزاب السياسية في ألمانيا ضد الاحزاب اليمينية، رغم ما تحصل عليه من نسبة معقولة في الانتخابات، وعدم التعاون معها في تشكيل ائتلاف حكومي.

هيوسغن التقيت به عدة مرات، وهو شخصية سياسية متزنة، وسبق أن  شغل منصب كبير مستشاري السياسة الخارجية للمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل لمدة 12 عاماً،  لكنه مثل كثير من الساسة الأوروبيين لديهم سذاجة مطلقة في التعامل مع ملفات حيوية


في النمسا - مثلا- فاز حزب الحرية اليميني بالانتخابات، تجاهلته الأحزاب الرئيسية وحاولت تشكيل ائتلاف حكومي، حتي فشلت، ثم كلف الرئيس النمساوي زعيم حزب الحرية بتشكيل الحكومة رغم عدم اتفاقه مع اليمين الشعبوي، ولكنه أكد علي ضرورة الإلتزام بإرادة الناخبين، وحاول الحزب عمل ائتلاف مع حزب الشعب المحافظ، وفشلت المفاوضات بسبب اختلاف البرامج والرؤي،رغم أنهما سبق وعملا سويا من قبل، ولكن منصب المستشار (رئيس الحكومة) لم يصل لحزب الحرية أبدا ، ولكنه الآن بين قوسين أو أدنى منه ، أو ربما تتجه النمسا لانتخابات جديدة للخروج من المأزق السياسي الحالي.

نفس الأمر في ألمانيا، هناك رفض تام لتشكيل ائتلاف حكومى يضم حزب البديل من أجل ألمانيا ، ممثل اليمين المتطرف، وسط توقعات بأن يحصل علي 22% - 25% من الأصوات في الانتخابات القادمة ، وربما يفشل حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي في عمل ائتلاف مع الاشتراكيين والليبرالي الحر، خاصة وأن الاتحاد أعلن عدم التعاون مع البديل أو الخضر ، وسط تكهنات بفشل الليبرالي الحر في دخول البرلمان إذا لما يحقق ٥%، ومن ثم مع الانتقادات التي طالت الاتحاد لمجرد تمرير قانون بأصوات اليمين، هناك غموض يحيط بشكل الائتلاف الحكومي القادم، حيث كان الاشتراكيين والاتحاد المسيحي هما حجر الزاوية للائتلاف الحكومى منذ تأسيس ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
 وبالتالي ربما تدخل ألمانيا نفس النفق النمساوي، إذا لم تتعامل الأحزاب السياسية بنوع من النضج السياسي وتغيير الموجوده المطروحة، مثلا - حسب الانتقادات ـ ثلثي السياسيين بحزب الخضر لم يعملوا بالقطاع الخاص، فكيف يشاركون في النهوض بالاقتصاد المريض حاليا؟.
أما اليسار وتحالف سارا فهما يبحثان عن مصالح ضيقة، ونسبة خمسة % لا تزال غير واضحة بالنسبة لهما.

وكما يقول زعيم المعارضة فريدريش ميرز، البديل حصل 10% في المرة السابقة، ولكن بسبب سياسات الحكومة الحالية وصلت نسبته الي ما هي عليه الآن، محملا ائتلاف إشارة المرور بتفجر المشاكل الأمنية ، وزيادة جرائم اللاجئين والأجانب التي تعد سلاح اليمين في الانتخابات.

الخطورة أن يحصل اليمين علي 25% ، حينها سيتمكن من تشكيل لجان تقصي حقائق في البرلمان والبدء في اتخاذ خطوات لعرقلة الأحزاب السياسية، بعد أن كان منبوذا طوال الفترة الماضية وحتي الآن.

نعود للموقف الأمريكي، الذي تغير موقفه من دعم أوكرانيا بعد وصول ترامب والميل للحلول الدبلوماسية، بدل من الدعم العسكري المفتوح، وبسبب سذاجة الأوروبيين وتبعيتهم الكاملة لواشنطن في هذا الملف منذ اندلاع الحرب، كانت هناك خطة لدعم أوكرانيا ، ولكن حاول الاتحاد الأوروبي جعلها سرية حتي لا تؤثر علي الانتخابات الألمانية الأحد المقبل، حتي وقعت وزيرة الخارجية الألمانية انالينا بيربوك في الفخ، وسربت معلومات عن عزم أوروبا زيادة حزمة الأمن ودعم أوكرانيا خلال الفترة المقبلة بشكل لم يحدث من قبل تحت شعار الاستثمار في الأمن،  حيث سبق ودعمت أوروبا أوكرانيا بـ 134 مليار يورو، وبلغت حصة ألمانيا 44 مليار يورو! في الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة الفقر، وتراجع الاقتصاد وزيادة نسبة إفلاس الشركات وخاصة في قطاع السيارات.

لذلك انعكاسات ما حدث في مؤتمر ميونيخ للأمن، مع تسريبات حزمة دعم أوكرانيا سيكون لها تأثيرات واضحة علي الانتخابات الفيدرالية الأحد المقبل، من تراجع الخضر والاشتراكيين، في مقابل زيادة نسبة الاتحاد الديمقراطي والبديل المتطرف.