( ورقة دراسية )
القمص اثناسيوس فهمي جورج
ساويرس الانطاكي (Σεβῆρος)، المعروف أيضا باسم أقل شهرة هو ساويرس الغزاوي، كان بطريرك أنطاكية ، ورئيس الكنيسة السريانية الأرثوذكسية غير الخلقيدونيية ، من ٥٢١ م حتى نياحته في ٥٣٨ م.
خلال حكم الإمبراطور البيزنطي أناستاسيوس ديكوروس الأول Anastasius Dicorus (حكم ١١ أبريل ٤٩١ م - ٩ يوليو ٥١٨ م) الذي كان غير خلقيدوني، أصبح ساويرس الانطاكي المستشار اللاهوتي للإمبراطور أناستاسيوس الأول. وطور ساويرس الانطاكي تفسيرات النص التوافقي للهنوتيكون مناهضة للخلقيدونيين. وأدت المناظرات اللاهوتية والمواقف السياسية المرتبطة بها الي وصول ساويرس إلى رتبة بطريرك أنطاكية عام ٥١٢ م . ولكن الموت المفاجئ للإمبراطور أناستاسيوس الأول في عام ٥١٨ م أدى إلى صعود الإمبراطور (Justin I) جوستين الأول (٥٨١ م - ١ أغسطس ٥٢٧ م) الي العرش، وكان خلقيدوني. وبعد موت أناستاسيوس ، سافر أساقفة سوريا سيكووندا (Syria Secunda) إلى القسطنطينية وراحوا يطالبون بعزل ساويرس الانطاكي. فطلب الإمبراطور جوستين الأول من ساويرس أن يقبل بمجمع خلقيدونية ، الأمر الذي رفضه الأخير ، فأصدر الإمبراطور جوستين الأول امراً الي ايريناوس كونت الشرق (Irenaeus, Count of the East) ، بالقبض على ساويرس. ولكن ثيودورا ، زوجة جستنيان (ابن شقيق جستن الذي خلفه فيما بعد كإمبراطور) اكتشفت أوامر جاستن وحذرت ساويرس لانها (كانت غير خلقيدونية).
وفي ٢٥ سبتمبر ٥١٨ م (بعد شهرين من وفاة الإمبراطور أناستاسيوس الأول) ، فر ساويرس الانطاكي هاربا من أنطاكية بمركب إلى الإسكندرية ، حيث استقبله البابا تيموثاوس الثالث الإسكندري (٥١٨ - ٥٣٦ م) وسكان المدينة. وعلي الرغم من عزله ، لم يتوقف غير الخلقيدونيين في سوريا ومصر عن اعتبار ساويرس بانه البطريرك الشرعي لأنطاكية. وقضي ساويرس عشرون سنة في مصر حتى نياحته سنة ٥٣٨ م ، قضي بعضها في سخا (حيث اقام عند ارخن يدعى دوروثاؤس ) وهناك رقد في النهاية، لكنه غالبًا كان يغير مقر واماكن إقامته هرباً من الملاحقة ، حيث ذهب للصعيد والتقي بمكروبيوس (ماقروفيوس) القاوي ابن حاكم مدينة قاو (السنكسار القبطي - ٧ برمودة - تنيح نحو ٥٧٠م) الذي صار فيما بعد راهباً واباً لجملة اديرة للرهبان والراهبات في نواحي أسيوط وشطب وسرجة والبلينا. وذهب ساويرس ايضا الى وادي النطرون وغيرها من الاماكن ، كذلك أقام عام في القسطنطينية ( ٥٣٦ م ) في أيام جستينيان الكبير حيث إنعقد مجمع أدانه لساويرس ، لكنه استمر في الإشتراك في المناقشات اللاهوتية وهكذا رسم صورته وسمعته باعتباره الزنديق اللدود في الدوائر الخلقيدونية وبطل الارثوذوكسية في الدوائر غير الخلقيدونية. وقد ادار الدفة بين كلا من النسطورية والاوطاخية ، بكل دقة وأمانة حاسبا انه قليل القيمة ، متجنبا اللعنات ، لكنه في ذات الوقت وارث للتعليم كالنبوة ليورثه للأجيال الاتين من بعده بلا مناقضة .. استمر يعلم الحقيقة بلطف ومسالمة ، ومناشدة لمعرفة الحكمة الباحثةعن الكنز . معتبرا ان الجهل هو موت للنفس ، الأمر الذي دفع ثمنه هروبا وفرارا واقامة سرية متعبة حتي لايصطاده أعداءه قبل ان يتمم سعيه الدفاعي الشرعي . حيث زرع كثيرا وجلب كثيرا .مؤكدا علي انه لايبتغي النجاح والشهرة علي حساب فشل الاخوة ، مداوما علي الصلاة حتي لايصنع المخالفين مزيدا من الامور الردية ..وهو بحق اظهر طريق الاباء واعلن الحق صراحة وجراءة ، في بساطة وعمق كمرساة مقدسة . قدم حياته ليشرح العقيدة السليمة بمصطلحات معقولة ومصقولة ، محذرا الهراطقة الذين اعتبرهم " قطاع طرق " ، يحذرهم ان لايتقلبوا وان لا يندفعوا فيشوهوا ضياء الحقيقة الكاملة εντελεχεια ، لأنهم بذلك يصيروا خارج قانون الكنيسة ، ولا تكون لهم شركة معها . وعلي صعيد اخر نصح المقاومين بأهمية واولوية التثقيف لا النزاع والابتعاد عن العرقلة والتصاريح المريضة ، واوصي بلزومية استخدام تعليم الاباء لانها مداوة وشفاء وقانون وقوة وبرهان وحجة .
قضي ساويرس الأنطاكي عشرون سنة منفياً مطارداً في مصر (من سبتمبر ٥١٨م حتى انتقاله في ٨ فبراير ٥٣٨م). وقد أقام في دير في مصر كان رئيسه يدعي نيفاليوس ، ثم حدث أن تحول نيفاليوس ورهبانه إلي الخلقيدونية ، وحاول ساويرس إقناعهم لكنه فشل ، وكانت النتيجة أن طُرَد ساويرس من هذا الدير. وقد قضي ساويرس قسم من أيام غربته في سخا (Xois) عند ارخن يدعى دوروثاؤس ، لكنه كثيراً ما غير مقر إقامته هرباً من الملاحقة ، باستثناء إقامتة مدة عام في القسطنطينية (٥٣٥-٥٣٦م) في أيام جستينيان الكبير حيث إنعقد مجمع مكاني أدان القديس ساويرس συνοδος ενδημουσα . وقد أشار هو نفسه إلي طبيعة حياته غير المستقرة في مصر ووصفها بتعبير "حياة هرع" الذي كرره مرتين في رسالته الثالثة إلى الأسقف سرجيوس. ورغم ذلك فقد إستمر في الإشتراك في المناقشات اللاهوتية ، وهكذا تم رسم صورته وسمعته بإعتباره الزنديق اللدود في الدوائر الخلقيدونية التي لقبته برئيس الهراطقة ، وبطل الارثوذوكسية في الدوائر غير الخلقيدونية التي لقبته باللابس الروح. الذي اقر بمجامع نيقية والقسطنطينية وافسس ؛ كذلك لم يفتر عن تحريم خلقيدونية ..وعاش ناسكا عن كل الامور المادية وبذخ القصور والترف .. لكنه ادين بمنشور جوستنيان وحرمت كتبه وحكم عليه بالنفي ، معتبرين انه بلا راس Akephalist اي حسبوه مخالفا ضمن المنشقين Ακεφαλοι . بينما هو يبرهن مع صديقه القديس مارفليكسينوس : علي ان ربنا يسوع المسيح بعد الاتحاد طبيعة واحدة من طببعتين ، وحرموا المجمع الخلقيدوني وطومس لاون الروماني .
وقد أقام ساويرس فترة في الصعيد ، وجاب مدنها وقراها متفقدا ومثبتا للعقيدة ، وعندما دخل اليها قامت مصر ورحبت به وفتحت ابوابها ، ليطرد منها بدعة نسطور الوقح .وفي جولاته تقابل مع مقروفيوس قرب أخميم ورهبنه مع أخيه ، ويعتقد أنه وضع كلمات لحن "الإبن الوحيد" (Ο μονογενής Υιός - ⲟ ⲙⲟⲛⲟⲅⲉⲛⲏⲥ) خلال فترة زيارته للصعيد ، وهو اللحن الذي يقال ضمن صلوات الساعة السادسة من يوم الجمعة العظيمة في الكنيسة القبطية إلي اليوم. بل إن كلمات النص البديعة وجدت طريقها الي الكنيسة اليونانية الخلقيدونية البيزنطية ، وهناك مصادر تري ان هذا اللحن من وضع البابا اثناسيوس الرسولي وتمت به اضافة وتطور مع الزمن .
كان ساويرس يتبع نهج كوكب الكنيسة المنير اثناسيوس السكندري ، داحضا كل من يعترض علي تعليم آباء الكنيسة ، علي اعتبار أن احاديث المعارضين " مكسوة بالموت والأخطاء " . لذلك هي اقوال غير مألوفة ومخالفة للتسليم ، ولايمكن السكوت عليها ، لانها مسببه للضرر .
ووصف ابا ساويرس منهجه بانه قد جاهد وتغرب هاربا من الاعداء الذين يعترضون سبيله ، حتي يجاهد قانونيا لحفظ الأمانة الارثوذكسية . و ليرسي قاعدة الحوار مع المضادين لتكون : حوارات بحب ومن غير منافسة ، يتبع فيها المحاجاة بعقل متضع ومتوازن و بلا مخصمات ، مع الاستمساك بخبرة وحجة اساس الاباء ، الذين حفظوا وقدموا منافع عظيمة ، لتسليم الوديعة نقية حتي جذبوا الكثيرين من الذين انفصلوا وضموهم كاعضاء في الجسد .