محرر الأقباط متحدون
علاقة البابوات مع الفن السابع هي عبارة عن تاريخ طويل، يفوق القرن من الزمن، ووجد في السنوات المقدسة ركناً للتأمل والحوار بين الكنيسة وعالم الفن بشكل عام، تماماً كما حصل خلال الأيام الماضية لمناسبة الاحتفال بيوبيل الفنانين وعالم الثقافة. ويقول بهذا الصدد الأب داريو فيغانو، من الأكاديمية البابوية للعلوم والعلوم الاجتماعية، إن الإنتاج السينمائي قادر على الإسهام بشكل مقرر في إعادة بناء النسيج الاجتماعي.

في مقابلة مع موقعنا الإلكتروني قال الأب فيغانو إن الاحتفالات اليوبيلية في القرن العشرين شكلت محطة مقررة في درب العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية ووسائل التواصل، وعززت قدرة روما على جذب الأضواء نحو الكرسي البطرسي، فتمحورت حول صورة البابا عملية إعلامية شملت جزءا كبيراً من العالم الكاثوليكي، وسمحت ببلوغ عدد هائل من الجمهور، من مؤمنين وغير مؤمنين، في أصقاع الأرض كلها. وقد ميّزت هذه العلاقةُ بين المجال الديني والثقافي تاريخ سنوات اليوبيل منذ بدايتها، وجعلت من هذه السنوات المقدسة أداةً فاعلة لتعزيز مركزية وكونية كنيسة روما.

وبهذا الشكل أبصرت النور "عولمة الرسالة البابوية" وذلك من خلال المعرض الكوني الإرسالي الذي أقيم برغبة من البابا بيوس الحادي عشر في الحدائق الفاتيكانية خلال السنة المقدسة عام ١٩٢٥، وقد استقطب هذا الحدث أكثر من مليون شخص حول العالم، وتضمن أربعة وعشرين جناحاً، وأصبح أكبر معرض تنظمه الكنيسة الكاثوليكية في تاريخها.

وبفضل وسائل التواصل – قال الأب فيغانو – تمكن الكرسي الرسولي خلال القرن العشرين من توسيع نطاق نشاطاته. وهذا اللقاء بين التقليد والحداثة، وبالتحديد بين اليوبيل والسينما، سمح للكنيسة بالإفادة من القدرات التي تضعها بتصرفها وسائل التواصل الحديثة مع أن هذه العلاقة لم تخلُ من التوترات لأنه كان يُنظر إلى السينما كفن يقدم محتويات تتعارض مع الأخلاقيات المسيحية. وقد حمل هذا الأمر البابا بيوس الحادي عشر على منع التقاط صور له خلال الاحتفالات اليوبيلية عام ١٩٢٥، مع أن العديد من شركات الإنتاج السينمائية توجهت إلى المدينة الخالدة لتغطية فعاليات اليوبيل. لكن سرعان ما تغيّرت هذه النظرة مع يوبيلي العامين ١٩٣٣ و١٩٥٠.

ومع مرور السنوات وتطور هذه التقنيات تبنت الكنيسة الكاثوليكية إستراتيجية مزدوجة رافقت لفترة طويلة علاقتها مع وسائل الإعلام الحديثة: فقد دعمت هذه الوسائل، من جهة، باعتبار أنها أداة للتربية، لكنها من جهة ثانية ظلت تعبر عن قلقها وبقيت حريصة على القيام بدروها التربوي والخلقي من أجل الحفاظ على القيم المسيحية في المجتمع.

بعدها انتقل المسؤول الفاتيكاني إلى الحديث عن يوبيل العام ١٩٥٠ الذي كان حدثا بالغ الأهمية نظراً لأصدائه في العالم ولتأثيره الكبير على الرأي العام الوطني والدولي. كما يُمكن اعتباره يوبيلاً سينمائياً بامتياز، لأن السينما في تلك المرحلة، وقبل أن يحل مكانها التلفاز، كانت في ذروة قوتها وعظمتها وانتشارها. البابا بيوس الثاني عشر قدّم للجمهور السنة المقدسة على أنها مرجع لشعوب كانت تعاني من فراغ تركه سقوط أساطير التوتاليتارية، وعلى أنها حملة مسالمة تقودها الكنيسة داعية الملحدين واللا أدريين للعودة إلى الله.

ومما لا شك فيه أن الاحتفالات اليوبيلية تأثرت أيضاً بأجواء الحرب الباردة. وبالتالي فإن الدعوة إلى التوبة والمغفرة دلت على سبيل جديد للبشرية المدعوة للعودة إلى حظيرة الكنيسة الكبيرة، في أعقاب صدمة الحرب العالمية الثانية. وبتشجيع من البابا باتشيلي تمت صناعة عدد كبير من الأفلام التوثيقية والنشرات الإخبارية السينمائية بشأن اليوبيل، أُنتجت حول العالم، كما أن كبرى شركات الإنتاج الهوليودية، بالإضافة إلى شركات أخرى فرنسية وإيطالية، أنتجت أفلاماً دينية تماشياً مع أجواء الاحتفالات بالسنة المقدسة.

ومع مجيء التلفاز، قال الأب فيغانو، بعد سنوات قليلة من الاحتفال بيوبيل العام ١٩٥٠ تغيرت بشكل جذري الرموز اللغوية والتواصلية ما مهد الطريق أمام حقبة جديدة أيضا على صعيد السياسة الكاثوليكية. ولم تشأ القيادات الكنسية تبديد فرصة هامة للقيام بعمل الرسالة. لكن هذه الثورة الإعلامية اكتسبت أهمية كبرى خلال المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، عندما تعلّمت الكنيسة كيفية التعامل يومياً مع هذه الظاهرة الجديدة خصوصا وأن أعمال المجمع استقطبت تغطية إعلامية كبيرة. وفي الحادي عشر من تشرين الأول أكتوبر ١٩٦٢ قامت محطة التلفزة الإيطالية RAI بتغطية مباشرة لوقائع جلسات المجمع، فتمكن المؤمنون من متابعتها مباشرة على الهواء.

وخلال يوبيل العام ٢٠٠٠، قال فيغانو، أصبح البابا يوحنا بولس الثاني حاضراً على شاشات التلفاز في العالم كله، وقد دعا إلى يوبيل خاص بعالم الاستعراض نُظم في الساحة الفاتيكانية في السابع عشر من كانون الأول ديسمبر ٢٠٠٠.  في ختام حديثه لموقعنا الإلكتروني شاء المسؤول الفاتيكاني أن يذكر بأهمية استخدام وسائل التواصل بمسؤولية وحذر، كي لا تحل – مع مرور الزمن – محل علاقاتنا البشرية.