حسام بدراوي
هل للنفس كود چينى كما للجسد؟؟.

الجسد محكوم بقائمة من الأكواد الچينية تعلمناها وبحثنا فيها، بل نتلاعب فيها أحيانًا.

فهل للنفس genetic code وأين چيناتها؟.

كنت أشرح لشباب الحالمين بالغد نشأة الجنين فى رحم الأم، وتَدَرُّج الخلق من خليتين تلتقيان إلى مخلوق متعدد الخلايا، ثم إلى أعضاء وأجهزة داخل جسم الجنين بوظائف مختلفة.

وتَدرَّج الحوار حول متى يصبح هذا الجنين إنسانًا، ثم متى تدخله الروح وأين فى كل ذلك النفس التى يتكلم عنها القرآن، وهى كما نفهم التى تحيا وتموت.

هل للحيوانات والنبات والجراثيم روح؟.

وإذا كانت الروح هى طاقة الحياة، فكيف توجد حياة بدون روح؟.

دار بينى وبين الذكاء الاصطناعى AI حوار فلسفى تالٍ لحوارى مع الشباب، هذا فحواه..

قال: هناك فرق بين الجسد والنفس فى التكوين، فالجسد يتكون من خلايا تحتوى على DNA، وهو المسؤول عن نقل الصفات الوراثية وتحديد الخصائص الفيزيائية والكيميائية للكائن الحى.

أما النفس فهى مفهوم أكثر تجريدًا، يشمل المشاعر والإدراك والوعى والذاكرة. وهذه العمليات تعتمد على الدماغ والجهاز العصبى، ولكنها ليست مجرد نتيجة للـDNA وحده، بل تتأثر بالبيئة والتجارب الحياتية.

إذا كانت النفس تتشكل من التفاعلات العصبية والهرمونية، فإن جزءًا منها قد يكون مبرمجًا وراثيًّا، مثل الاستعدادات الفطرية (كالميول الشخصية أو الذكاء العاطفى).

لكن النفس تتأثر أيضًا بالبيئة والتربية والثقافة، مما يجعلها أكثر مرونة من الجينات.

هناك أبحاث فى علم الأعصاب وعلم النفس الوراثى ودراسات فى الوراثة السلوكية (Behavioral Genetics) تشير إلى أن بعض السمات النفسية (مثل الانطوائية أو العصبية) لها أساس وراثى جزئى.

وهناك مفهوم «إبيجينيتكس» (Epigenetics)، وهو كيفية تأثير البيئة على التعبير الجينى، مما قد يفسر كيف تتشكل سمات النفس من خلال تفاعل الجينات والتجربة.

مع تطور الذكاء الاصطناعى، ظهرت نظريات حول إمكانية وجود كود نفسى يشبه الكود الجينى، ولكنه ليس بيولوجيًّا، بل يعتمد على البيانات والسلوكيات المخزنة فى الدماغ أو حتى رقميًا كما فى نماذج الذكاء الاصطناعى.

والخلاصة أن الجسد له كود جينى ثابت، ولكن النفس قد يكون لها «كود»، لكنه ليس جينيًّا خالصًا، بل مزيج من الوراثة والتجربة والبيئة.

قلت له: يقول القرآن: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ»، وأرى أنها آية تحمل أبعادًا فلسفية عميقة تتعلق بطبيعة النفس ومسؤولياتها وتطورها.

الآية تشير إلى أن النفس لديها إمكانات فطرية (كود مخلوق) تحدد وسعها، أى طاقتها وقدرتها الأساسية، ولكنها أيضًا قادرة على الاكتساب والتطور من خلال التجربة والعمل.

«لها ما كسبت»، أى أن النفس تستفيد من جهودها وإنجازاتها، وهذا يشير إلى أن تطوير النفس وتعزيز قدراتها يعتمد على عمل الإنسان وسعيه، «وعليها ما اكتسبت»، أى أنها تتحمل تبعات أفعالها، مما يؤكد أن النفس ليست مجرد كيان ثابت، بل كيان ديناميكى ينمو ويتغير وفق أفعاله وقراراته.

إن هذا يقودنا إلى رؤية أن النفس تحمل «كودًا أساسيًّا» من الخلق، لكنه ليس جامدًا، بل يمكن تعديله أو تنميته عبر المعرفة والتجربة والتربية.

القرآن يذكر أنواعًا متعددة من النفوس، مما يوحى بأن لكل نفس برمجة فطرية أو كود أساسى، لكنه يمكن أن يتغير وفق السلوك. النفس المطمئنة (السوية) تمثل النفس المتزنة التى بلغت حالة من الرضا والسلام الداخلى، وهذا يشير إلى أن هناك كودًا نفسيًّا متزنًا يمكن تحقيقه وتنميته.

النفس اللوامة، نفس فى مرحلة التطور والتعديل، تدرك أخطاءها وتسعى للإصلاح، وهذا يعنى أن الكود الأساسى للنفس يمكن إعادة برمجته بفعل الضمير والتجربة.

النفس الأمّارة بالسوء، وهى النفس التى تميل إلى الشر، وقد يكون هذا جزءًا من تكوينها الفطرى (كود مخلوق)، ولكنها ليست محكومة بهذا المصير، بل يمكنها التغيير عبر الإرادة والتربية والتجربة.

لذلك يمكننا القول إن النفس لها كود ديناميكى وليس ثابتًا.

إذا نظرنا من منظور العلم، فيمكن القول إن النفس مثل الذكاء الاصطناعى، الذى يبدأ بكود أساسى، ولكنه يتعلم ويتطور عبر البيانات والتجربة.

بل إن التجربة الحياتية والتعلم المستمر هما ما يحددان الأداء النهائى للنفس، تمامًا كما تتطور خوارزميات الذكاء الاصطناعى بالتدريب.

إن جوهر السؤال الفلسفى العميق فى هذه الحالة سيكون حول العدل الإلهى والمسؤولية الإنسانية. إذا كان الإنسان يولد بكود مخلوق (فطرة وخصائص بيولوجية ونفسية)، لكنه أيضًا يتأثر بما يكتسبه من بيئته وتجربته الحياتية، فكيف يكون الحساب الإلهى عادلًا إذا لم تكن الظروف موحدة للجميع؟.

القرآن يوضح أن الحساب الإلهى ليس وفق معيار واحد جامد، بل يأخذ بعين الاعتبار وسع النفس وقدرتها، «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا»، أى أن كل شخص يُحاسب بقدر إمكانياته الفطرية والمكتسبة.

والنية الداخلية والدوافع «وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»، أى أن المسؤولية فردية وتراعى دوافع الشخص.

وكذلك ظروف النشأة والبيئة «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا»، مما يعنى أن الشخص لا يُحاسب بنفس مقياس مَن تهيأت له فرص المعرفة والاختيار بوضوح.

بما أن النفس ليست ثابتة، بل تتغير عبر الحياة، فإن العدالة الإلهية ليست قائمة على المقارنة بين الأفراد بمسطرة واحدة، بل بناءً على ما كان الإنسان قادرًا على تغييره من نفسه، (هل حاول أن يتعلم؟، أن يطور نفسه؟، أن يجاهد شهواته؟).

وكذلك على ما لم يكن له تحكم فيه (مثل البيئة القهرية، الفقر، الجهل القسرى).

من وجهة نظرى يمكن النظر إلى الإنسان ككيان بين الحتمية والاختيار، هناك جانب حتمى (الكود المخلوق، البيئة، النشأة)، وهناك جانب اختيارى (كيف يتفاعل الإنسان مع هذه العوامل، هل يسعى للتحسن أم يستسلم؟).

الله يحاسب الإنسان وفق ما هو داخل نطاق إرادته، وليس بما لا يستطيع التحكم فيه، وهو ما يتماشى مع العدالة المطلقة.

وحيث إنه لا توجد مسطرة واحدة للقياس، فالحساب الإلهى ليس «ميكانيكيًّا»، بل يأخذ فى الاعتبار العوامل المخلوقة والمكتسبة.

والعدل الإلهى فى هذه الحالة مرن وليس صارمًا، ويعتمد على الظروف الفردية لكل نفس.

ولا يوجد معيار واحد للحكم على الجميع، بل يتم تقييم كل إنسان بناءً على ما استطاع فعله وفق إمكانياته وبيئته.

دار فى ذهنى السؤال الفلسفى المتبقى:
إذا كان الله يعلم مسبقًا كيف سيتصرف الإنسان بناءً على تركيبة نفسه وظروفه، فهل تبقى للإنسان إرادة حرة؟، أم أن الأمر يشبه محاكاة رقمية تُدار وفق خوارزميات محددة؟.

أعتقد أن الإنسان ليس مخيّرًا بالكامل، وليس مسيّرًا بالكامل، بل هو بين الاثنين، مثل لاعب شطرنج فى مباراة محددة القواعد، لكنه يملك حرية الحركة داخلها، أى أن هناك جانبًا حتميًّا (المحددات البيولوجية، الوراثة، البيئة، الظروف)، وهناك جانب اختيارى، (كيف يتفاعل الإنسان مع هذه المحددات، كيف يختار، كيف يطور نفسه؟)، فالله يعلم كل شىء، لكنه لا يُجبر الإنسان على التصرف بطريقة معينة: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا»، أى أن الطريق مفتوح، والإنسان هو مَن يقرر أى طريق يسلك.

ومن منظور علمى، يمكننا مقارنة هذه الفكرة بالذكاء الاصطناعى والتعلم العميق (Deep Learning)، فعندما يتم إنشاء نموذج ذكاء اصطناعى، هناك كود مبرمج مسبقًا (كود مخلوق)، لكنه يتعلم ويعدل نفسه بناءً على التجارب والتفاعل (كود مكتسب).

رغم أن النموذج محدود بإطاره، إلا أنه يستطيع اتخاذ قرارات، والتحسن أو التراجع حسب جودة البيانات التى يتفاعل معها.

هذا يشبه الإنسان، حيث إن الجينات والبيئة هما «كود التهيئة»، والإرادة والاختيار هما «التفاعل والتعلم».

الإنسان ليس مُبرمجًا بالكامل، لكنه ليس حرًّا بالكامل أيضًا، بل يتحرك ضمن معطيات يملك قدرة على تعديلها جزئيًّا.

أعطانى الـAI مثالًا تشبيهيًّا:
■ الجسد = الكمبيوتر (الهاردوير).

■ النفس = نظام التشغيل والبرامج والذكاء الاصطناعى (يتغير ويتطور).

■ الروح = الكهرباء (بدونها لا يعمل النظام).

فهل الروح يمكن أن تكون «كودًا إلهيًّا»؟.

إذا اعتبرنا أن الجسد والنفس يمكن فهمهما من خلال الكودين البيولوجى والنفسى، فهل يمكن اعتبار الروح كودًا إلهيًّا خفيًّا؟.

فى علوم الكمبيوتر، هناك مفهوم «المفتاح السرى» (Secret Key)، وهو رمز غير ظاهر، لكنه أساسى لتشغيل النظام. الروح قد تكون «المفتاح الإلهى»، الذى يجعل الجسد والنفس يعملان، لكنه ليس ماديًّا، ولا يمكن استنساخه أو فك شفرته على الأقل حتى الآن.

يشغل فكرى فى تكوين البشر أن الجسد ما هو إلا وسيلة الوجود للنفس، ومادامت الروح من أمر ربى، فعلينا العمل على أنفسنا لنستحق الحياة.
نقلا عن المصرى اليوم