عاطف كامل
فى لحظات الأزمات الكبرى، تتكشف المواقف الحقيقية، وتظهر الدول التى تمتلك قرارها المستقل وإرادتها الصلبة. واليوم، يقف الرئيس عبدالفتاح السيسى ليؤكد مجددًا ما يعرفه الجميع: مصر ليست ولن تكون طرفًا فى أى مخطط لتفريغ فلسطين من أهلها. هذه ليست مجرد تصريحات دبلوماسية، بل موقف حاسم يُغلق الباب أمام أى محاولة لفرض واقع جديد على حساب الأمن القومى المصرى والحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى.
لم تكن فكرة تهجير الفلسطينيين إلى خارج أرضهم وليدة اللحظة، بل هى جزء من مشروع ممنهج يستهدف تفريغ الأرض الفلسطينية وإعادة رسم خرائط المنطقة وفق أجندات لا تراعى حقوق الشعوب أو استقرارها.
منذ نكبة 1948، سعت جهات عديدة إلى تصدير أزمة الاحتلال الإسرائيلى على أنها «أزمة لاجئين»، فى محاولة مكشوفة لنقل المشكلة من جوهرها الحقيقى، وهو الاحتلال، إلى قضية إنسانية يمكن حلها بترحيل السكان الأصليين إلى دول أخرى.
اليوم، مع وجود إدارة جديدة لأمريكا ـــ بأهداف قديمة ـــ ومع تصاعد العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، يُعاد طرح هذه الأفكار السوداء من جديد، وكأن الفلسطينيين يمكن أن يتخلوا عن أرضهم بهذه البساطة، لكن الشعب الفلسطينى، الذى صمد لعقود رغم الاحتلال والقهر والحصار، لا يمكن أن يُجبر على مغادرة وطنه، ولا يمكن لأى قوة أن تنتزع منه هويته وحقه الأصيل فى العيش على أرضه التاريخية.
مصر، التى دفعت أثمانًا باهظة فى سبيل الدفاع عن القضية الفلسطينية، لن تسمح بأن تكون شريكًا فى تنفيذ سيناريو يُعيد إنتاج النكبة بصورة جديدة.
هذا الموقف لم يكن مجرد كلام نظرى، بل انعكس فى التحركات المصرية على جميع المستويات، من الجهود الدبلوماسية فى المحافل الدولية إلى المبادرات الإنسانية التى تؤكد دعم مصر للشعب الفلسطينى وهو على أرضه، وليس فى أى مكان آخر. فمصر لم ولن تكون مجرد ممر للأزمات، ولا يمكن أن تقبل بأن تُستخدم أرضها لتصفية القضية الفلسطينية تحت أية ذريعة.
سيناء ليست وطنًا بديلًا.. والأمن القومى المصرى خط أحمر
من أكثر الأفكار المغلوطة التى يتم الترويج لها فى بعض الدوائر الغربية، وربما حتى فى بعض الأوساط الإسرائيلية، أن سيناء يمكن أن تكون «وطنًا بديلًا» للفلسطينيين. لكن هذه الفكرة تسقط أمام الحقائق الثابتة: سيناء أرض مصرية خالصة، ولا يمكن أن تكون حلًا لأزمة الاحتلال الإسرائيلى.
مصر خاضت حروبًا وضحّت بدماء أبنائها من أجل استعادة كل شبر من سيناء، ولن تسمح تحت أى ظرف بأن يُعاد رسم حدودها أو أن يتم استغلالها فى تنفيذ أجندات لا تخدم سوى الاحتلال. الأمن القومى المصرى خط أحمر، والسيادة المصرية ليست محل مساومة.
الحل العادل.. إنهاء الاحتلال وليس تهجير السكان
البديل الوحيد القابل للتطبيق والعدالة هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. هذه ليست مجرد رؤية سياسية، بل هى الحل الذى توافقت عليه القوانين الدولية والشرعية الأممية.
مصر، كعادتها، لا تتهرب من مسئولياتها القومية، وهى تدعم الشعب الفلسطينى بكل الطرق المشروعة، لكن الدعم لا يعنى القبول بفرض حلول غير عادلة. مصر كانت وستظل حاضنة للقضية الفلسطينية، لكنها لن تكون طرفًا فى مؤامرات تفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها.
العالم اليوم أمام اختبار حقيقى: هل سيقف مع حقوق الشعوب فى تقرير مصيرها؟ أم سيواصل تجاهل الحق الفلسطينى؟ مصر أعلنت موقفها، والفلسطينيون أعلنوا موقفهم، ويبقى السؤال: إلى متى سيظل الاحتلال يحاول فرض واقع جديد بالقوة؟ وإلى متى سيبقى الصمت الدولى هو الرد الوحيد على الانتهاكات المتكررة؟!
نقلا عن صباح الخير