ياسر أيوب
لا تتشابه كل الابتسامات .. فهناك ابتسامة الانتصار وابتسامة رفض الهزيمة .. ابتسامة لإظهار الفرحة وأخرى لمداراة الحزن والوجع .. وحين فازت الأمريكية كلاريسا شيلدز فى ولاية ميتشيجان يوم الأحد الماضى ببطولة العالم للملاكمة للوزن الثقيل .. كان لابتسامتها فى نهاية اللقاء كل هذه المعانى .. الفرحة بالبطولة والانتصار ليس على منافستها دانييل بيركينز إنما على ذكريات حزينة وجروح قديمة ليس لها أول أو آخر .. فقد ولدت كلاريسا 1995 فى مدينة فلينت بولاية ميتشيجان ..
وبعد سنتين فقط تم سجن والدها مدانا بالاتجار فى المخدرات وأدمنت والدتها الكحول ولم تعد تهتم برعاية كلاريسا وشقيقتها وشقيقها .. ولأنها كانت الشقيقة الكبرى فقد بدأت تقف أمام الأسواق ومحلات السوبر ماركت تعرض مساعدة الناس على حمل مشترواتهم إلى سياراتهم مقابل أى مال حتى لو كان قليلا لتشرى طعاما لشقيقيها ولنفسها ..
وكانت تنام على الأرض لأن البيت لم يعد فيه أثاث يكفى لأن تنام وشقيقاها فى فراش يتسع لهم .. وحين كبرت كلاريسا قليلا وبدأت تتضح أنوثتها .. تعرضت للاغتصاب أكثر من مرة .. وفى أحد الأيام كانت كلاريسا فى المدرسة حين قامت إحدى زميلاتها بشد شعرها بقسوة .. وحين كررت الزميلة ذلك قامت بلكمها فلم تعد بعدها أى زميلة تحاول الاقتراب منها .. وأخيرا التقت بأبيها بعد سنوات من خروجه من السجن وصارحته بأنها تريد أن تصبح ملاكمة .. فقال لها أبوها إن الملاكمة لعبة للرجال وليست للنساء ..
فسألته كلاريسا ساخرة عن المستقبل أو المهنة التى يتوقعها لابنته .. فلن تسمح لها ظروفها وملامحها بأى شىء ولهذا اختارت الملاكمة حلا بديلا وبحثا عن مستقبل قد يكون أفضل من ماضيها وحاضرها .. وحين التحقت كلاريسا بمركز بريستون للملاكمة فى مدينة فلينت بعد نجاح أبيها فى توفير 60 دولارًا قيمة الاشتراك .. اكتشف مسؤولو المركز موهبتها وقوة قبضتها وأنهم أمام مشروع بطلة ملاكمة .. وبالفعل بدأت كلاريسا ملاكمة الهواة وتوالت انتصاراتها تدريجيا حتى جاءت تصفيات الملاكمة الأمريكية لدورة لندن الأوليمبية 2012 .. وفازت كلاريسا فى التصفيات على الأمريكيات بطلات العالم لتسافر إلى لندن وتفوز فى دورتها بالذهب .. وبالذهب أيضا فى دورة ريو دى جانيرو 2016.
واحترفت كلاريسا الملاكمة بعد دورة ريو ودامت بطولاتها وانتصاراتها .. وأصبحت بطلة العالم فى وزنى الخفيف والمتوسط .. ولم تكتف كلاريسا بذلك وظلت تحلم ببطولة العالم للوزن الثقيل أيضا .. وهو ما حققته الأحد الماضى لتصبح الوحيدة التى جمعت بين بطولة العالم للثلاثة أوزان سواء بين النساء وحتى الرجال أيضا .. وكانت ابتسامتها التى وراءها الكثير من فقر ومعاناة وألم تحولت لقوة فى ذراعيها لتصبح أخيرا بطلة العالم.
نقلا عن المصرى اليوم