محرر الأقباط متحدون
"إنَّ الإصغاء إلى الأطفال الذين يعيشون اليوم في العنف والاستغلال والظلم يساعدنا أيضًا لكي نعزز الـ "لا" التي نقولها للحرب ولثقافة التهميش والربح التي يُباع ويُشترى فيها كل شيء بدون احترام أو اهتمام بالحياة، لاسيما الحياة الصغيرة والعزلاء" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته مفتتحًا القمة الدوليّة لحقوق الأطفال
تحت عنوان "لنحبهم ونحميهم"، عقدت في الفاتيكان يوم الاثنين ٣ شباط فبراير ٢٠٢٥ القمة الدوليّة لحقوق الأطفال، يشارك فيها شخصيات بارزة من بينهم صاحبة الجلالة الملكة رانيا العبد الله، عقيلة ملك الأردن، ووزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، وشيخ الأزهر، الإمام الأكبر الدكتور محمد أحمد الطيب و صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيسة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، وقد افتتح قداسة البابا فرنسيس القمة بكلمة قال فيها أحيي الكرادلة والشخصيات الحاضرة هنا بمناسبة اللقاء العالمي حول حقوق الأطفال تحت عنوان "لنحبهم ونحميهم". أشكركم على قبولكم للدعوة وأنا واثق من أنه من خلال مشاركة خبراتكم وكفاءاتكم يمكنكم أن تفتحوا سبلاً جديدة لإنقاذ وحماية الأطفال الذين تُداس حقوقهم ويتم تجاهلها كل يوم.
تابع البابا فرنسيس يقول اليوم أيضًا، تُطبع حياة ملايين الأطفال بالفقر والحرب والحرمان من التعليم والظلم والاستغلال. يُجبر الأطفال والمراهقون في البلدان الأشدَّ فقرًا، أو تلك التي مزقتها الصراعات المأساوية، على مواجهة تجارب رهيبة. حتى العالم الأكثر غنى ليس بمنأى عن الظلم. فحيث لا يعاني الأشخاص، من الحرب أو الجوع، هناك مع ذلك الضواحي الصعبة، التي يكون فيها الصغار غالبًا ضحايا هشاشة ومشاكل لا يمكننا الاستهانة بها. في الواقع، وبدرجة أكبر بكثير مما كان عليه الحال في الماضي، يتعين على المدارس والخدمات الصحية أن تحسب حساب الأطفال الذين تمتحنهم صعوبات كثيرة، والشباب القلقين أو المكتئبين، والمراهقين الذين يسلكون مسارات العدوان أو إيذاء النفس. كذلك، ووفقًا لثقافة الكفاءة، تشكّل الطفولة، مثل الشيخوخة، "ضاحية" وجوديّة.
تابع الأب الأقدس يقول وعلى نحو متزايد، لا يستطيع الذين لديهم الحياة أمامهم أن ينظروا إليها بثقة وإيجابية. إن الشباب تحديدًا، الذين هم علامات رجاء في المجتمع، يكافحون لكي يتعرّفوا على الرجاء في أنفسهم. وهذا أمر محزن ومقلق. "من جهة أخرى، عندما يكون المستقبل غير أكيد ومنيعٌ إزاء الأحلام، وعندما لا توفر الدراسة أي منافذ، وعندما يهدد غياب عمل أو وظيفة مستقرة بما فيه الكفاية بالقضاء على الرغبات، فلا مفر من أن يعاش الحاضر في كآبة وملل". إن ما نشهده للأسف كل يوم تقريبًا في الآونة الأخيرة، أي الأطفال الذين يموتون تحت القنابل وتتمّ التضحية بهم لأصنام السلطة والأيديولوجية والمصالح القومية، هو أمر غير مقبول. في الواقع، لا شيء يساوي حياة طفل. إنَّ قتل الصغار هو إنكار للمستقبل. في بعض الحالات، يُجبر القاصرون على القتال تحت تأثير المخدرات. حتى في البلدان التي لا توجد فيها حرب، يصبح العنف بين العصابات الإجرامية مميتًا للأطفال، وغالبًا ما يتركهم يتامى ومهمشين. كما أن الفردية المبالغ فيها في البلدان المتقدمة تضر بالأطفال أيضاً. فأحيانًا يتعرضون لسوء المعاملة أو حتى للقمع من قبل الذين يجب أن يحموهم ويرعونهم؛ إنهم ضحايا المشاجرات، والاضطرابات الاجتماعية أو النفسية وإدمان الوالدين.
أضاف الحبر الأعظم يقول يموت العديد من الأطفال كمهاجرين في البحر، أو في الصحراء أو في العديد من مسارات رحلات الرجاء اليائسة. وكثيرون آخرون يلقون حتفهم بسبب نقص الرعاية أو أنواع مختلفة من الاستغلال. إنها حالات مختلفة، ولكننا نطرح أمامها السؤال عينه: كيف يمكن أن تنتهي حياة طفل بهذه الطريقة؟ لا، هذا أمر غير مقبول وعلينا أن نقاوم الاعتياد عليه. إن الطفولة التي يتمُّ إنكارها هي صرخة صامتة تندد بظلم النظام الاقتصادي، وإجرام الحروب، ونقص الرعاية الطبية والتعليم المدرسي. إنَّ مجموع أشكال الظلم هذه يثقل كاهل الصغار والأشدَّ ضعفًا. وفي سياق المنظمات الدولية يطلق عليها اسم "أزمة أخلاقية عالمية". نحن هنا اليوم لكي نقول إننا لا نريد أن يصبح هذا الوضع أمرًا طبيعيًا جديدًا. لا يمكننا أن نقبل أن نتعود على ذلك. تميل بعض ديناميكيات وسائل الإعلام إلى جعل الإنسانية غير حساسة، الأمر الذي يسبب تصلبًا عامًا في العقليات. نحن نخاطر بأن نفقد أنبل ما في قلب الإنسان: الشفقة والرحمة. لقد شاركنا هذا القلق أكثر من مرة مع البعض منكم من ممثلي الجماعات الدينية.
تابع الأب الأقدس يقول هناك اليوم أكثر من أربعين مليون طفل نازح بسبب النزاعات وحوالي مائة مليون طفل مشرد. هناك مأساة استعباد الأطفال: حوالي مائة وستين مليون طفل هم ضحايا العمل القسري والاتجار والإساءة والاستغلال بجميع أنواعه، بما في ذلك الزواج القسري. هناك
الملايين من الأطفال المهاجرين، أحيانًا مع عائلاتهم ولكن غالبًا بمفردهم: إنَّ ظاهرة القاصرين غير المصحوبين بذويهم تتزايد وتيرتها وخطورتها أكثر فأكثر. ويعيش العديد من القاصرين الآخرين في طي النسيان لأنهم لم يتم تسجيلهم عند الولادة. ويُقدّر أن هناك حوالي مائة وخمسين مليون طفل "غير مرئي" ليس لديهم وجود قانوني. ويشكل ذلك عائقاً أمام حصولهم على التعليم أو الرعاية الصحية، ولكن وبشكل خاص ليس لديهم حماية من القانون ويمكنهم أن يتعرضوا بسهولة للإساءة أو أن يتمَّ بيعهم كعبيد. لنتذكر أطفال الروهينغا الصغار، الذين غالباً ما يكافحون لكي يتمَّ تسجيلهم، والأطفال الذين لا يحملون وثائق على الحدود الأمريكية، وأول ضحايا هجرة اليأس والرجاء للآلاف الذين يأتون من الجنوب إلى الولايات المتحدة، وغيرهم.
أضاف الحبر الأعظم يقول للأسف، إنَّ تاريخ اضطهاد الأطفال هذا يتكرر: إذا سألنا المُسنّين، الأجداد والجدات، عن الحرب التي عاشوها عندما كانوا أطفالاً، تظهر المأساة من ذكرياتهم: الظلام - كل شيء يكون مظلمًا أثناء الحرب، وتكاد تختفي الألوان -، الروائح الكريهة، البرد، الجوع، الأوساخ، الخوف، التشريد، فقدان الأهل، والبيت، والترك، وجميع أنواع العنف. لقد نشأتُ على قصص الحرب العالمية الأولى التي كان جدي يرويها لي، وهذا الأمر قد فتح عينيَّ وقلبي على رعب الحروب. إنَّ النظر من خلال عيون الذين عاشوا الحرب هو أفضل طريقة لكي نفهم قيمة الحياة التي لا تقدر بثمن. ولكن الإصغاء أيضًا إلى الأطفال الذين يعيشون اليوم في العنف والاستغلال والظلم يساعدنا أيضًا لكي نعزز الـ "لا" التي نقولها للحرب ولثقافة التهميش والربح التي يُباع ويُشترى فيها كل شيء بدون احترام أو اهتمام بالحياة، لاسيما الحياة الصغيرة والعزلاء. وباسم منطق التهميش هذا، الذي يصبح فيه الكائن البشري قديرًا، تتم التضحية بالحياة الوليدة من خلال الممارسة القاتلة للإجهاض. إنَّ الإجهاض يقمع حياة الأطفال ويقطع مصدر الرجاء للمجتمع بأسره.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول من المهم أن نصغي: علينا أن نتنبّه أن الأطفال الصغار يلاحظون ويفهمون ويتذكرون. وبنظراتهم وصمتهم هم يتحدثون إلينا. فلنصغِ إليهم! أيها الأصدقاء الأعزاء، أشكركم وأشجعكم على الاستفادة القصوى من فرصة هذا اللقاء. أصلّي لكي يساعد إسهامكم في بناء عالم أفضل للأطفال، وبالتالي للجميع! وما يبعث فيَّ الرجاء هو أننا هنا جميعًا معًا لكي نضع في محور اهتمامنا الأطفال وحقوقهم وأحلامهم ومطالبتهم بمستقبل. شكراً لكم وليبارككم الله!