طارق الشناوى
موقف هلامى ضبابى رمادى- اختر أنت التوصيف الصحيح- يتخذه وزير الثقافة د. أحمد هنو فى علاقته مع القضايا الثقافية الساخنة، محاولا إرضاء كل الأطراف، المثقفون الذين يناصرون حرية التعبير يطالبون بفتح الأبواب، بينما المتزمتون يسعون، طوال كل العهود، إلى إغلاقها بالضبة والمفتاح، الوزير قرر أن يتبنى الرأيين معا، ويركب الحصانين معا، يلحق القطار الأول متوجها إلى الإسكندرية، ويتشعبط فى القطار الثانى متوجها إلى أسوان.
حاوره الكاتب الصحفى الكبير حمدى رزق عبر (صدى البلد)، قناة تدرك أهمية الدفاع عن الحرية، وأيضا مسؤولية حماية الوطن. مقدم البرنامج يتبنى هذا الهدف فى كل ما يكتب على صفحات «المصرى اليوم» و«الأخبار» و«الأهرام» و«المصور».
سأل الوزير كيف يعلن الرأى وعكسه، أجاب الوزير بكلمات لا محل لها أبدا من الإعراب، وأكمل تناقضاته، فى المزج بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، إجابته فتحت الباب لكل أعداء الحرية لمصادرة كل ما يمكن أن نتنفس من خلاله رائحة الإبداع، عندما قال إن قضية فيلم (الملحد) بدأت قبل أن يتولى مهمته كوزير، تمهيد يتيح له شكليا الابتعاد عن تحمل المسؤولية، ستتأكد من ذلك فى تتابع الحوار، سأله حمدى بوضوح: هل المؤسسة الدينية رافضة للفيلم؟ أجابه متحسسا كلماته: المؤسسة الدينية وأيضا أطياف أخرى، ولم نعرف ماذا يقصد بتلك الأطياف الأخرى؟.
د. أحمد هنو، باعتباره فنانا تشكيليا، يسعى أن يصدر لنا لوحة (تجريدية) تمنح كلا منّا إمكانية أن يقرأها بطريقته، ويضفى عليها من المعانى ما يحلو له.
ما لم يقله مباشرة حمدى رزق إن السيناريو قبل التصوير حظى ليس فقط بموافقة الرقابة على المصنفات الفنية، ولكن بإشادة عميقة وموثقة ومطبوعة وعليها ختم النسر، تؤكد أن السيناريو يحض على الإيمان.
وهذا يعنى ضمنا أن الدولة مسؤولة، قانون الرقابة الحالى أجاز لها التراجع عن موافقتها فى أى وقت، ورغم ذلك فإن المسؤولية السياسية التى يتحملها الوزير تلقى على عاتقه أن يفكر بهدوء، ما هى الرسالة التى تصل للعالم، عندما يقرأ الجميع أن الرقابة وافقت على عرض الفيلم جماهيريا بتاريخ ١٤ أغسطس ٢٠٢٤، والمنتج لديه شهادة بذلك، ثم تراجعت عن الموافقة بدون كتابة خطاب رسمى.
أجاب الوزير عن هذا السؤال الضمنى بأن الرقابة أخطأت عند موافقتها على السيناريو، وأمعنت فى الخطأ عندما وافقت على عرضه جماهيريا. مصير الفيلم لايزال غامضا، لكن طبقا لما صرح به الوزير ضمنيا أيضا أنه لن يعرض.
علاقة وزير الثقافة بالمؤسسة الدينية وبالقيادات: الإمام الأكبر د. أحمد الطيب وقداسة البابا تواضروس نسعد بها ونؤيدها، وعندما تعرض وزارة الثقافة أعمالا فنية فى المدارس والجامعات الأزهرية أراها فكرة جيدة ومطلوبة، وأتمنى أن أراها أيضا فى الكنائس، على أن يدرك الجميع أن للفن قواعده ومحدداته الخاصة، وهو يقينا ليس ضد الأديان أو الأخلاق، كما أنه لا يدعو للرذيلة على أى نحو، الفن له قانونه ولا نطبق عليه أحكامنا الدينية المباشرة، وإلا بات علينا أن نمنع أكثر من ٩٠ فى المائة من أغانينا وأفلامنا ومسرحياتنا ومسلسلاتنا من التداول.
هل ما نراه الآن يشير إلى السبب العميق الذى يقف حائلا حتى الآن دون إعلان اسم الرئيس الجديد للرقابة الكاتب الكبير عبدالرحيم كمال، الوزير ذكر اسمه أكثر من مرة باعتباره الرقيب القادم، إلا أن تداعيات ما نتابعه ربما تدفع عبدالرحيم للاعتذار، حتى لا يتورط فى الدفاع عن قرارات تتعارض مع قناعاته.
يفتتح د. هنو مهرجان الإسماعيلية، مساء الأربعاء، اقترح عليه إقامة مؤتمر صحفى صباح الخميس القادم مع الإعلاميين والسينمائيين، بالمناسبة كثيرا ما فعلها الوزير الفنان الكبير فاروق حسنى، وشهد مهرجانا الإسكندرية والإسماعيلية لقاءات مماثلة، بل إنه عقد مؤتمرا مصغرا للسينمائيين المصريين الغاضبين فى مطلع التسعينيات بمهرجان دمشق السينمائى الدولى، وكنت شاهدا عليه، فهل يفعلها د. هنو؟!.
نقلا عن المصرى اليوم