ماجد سوس
 تربينا على عبارة، الله يسامحه فلان ثم نذكر ما اقترفه من ذنب. منذ أيام كنت في لقاء مع مجموعة من الزملاء والأصدقاء وحين ذكر اسم شخص تسبب في خراب بلده، قلت الله يسامحه فلان على اللي عمله في البلد. فقاطعني البعض قائلين، تقصد الله لا يسامحه فقلت لا أنا بالفعل أقصد ربنا يسامحه، لقد نشأت على هذا. غضب أحدهم وقال متعجبا، كيف تقول على مجرم، الله يسامحه، قل الله ينتقم منه. لندعي عليهم حتى يقتص الله منهم ويحرقهم في جهنم. تدخل آخر في الحديث قائلا: العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم.

نعم كانت شريعة موسى في الماضي تنادي بهذا المبدأ "لا تشفق عينك، نفس بنفس، عين بعين، سن بسن، يد بيد، رِجل برِجل." (تث 19: 21). مبدأ مفاده، أنت حبيبي حتى تأذيني فتصبح عدوي فأدعي عليك واطلب من الله أن ينتقم منك. حتى جاء يسوع المسيح، كلمة الله، بعهده الجديد، عهد حب وتسامح، أوقف به العمل بقانون العين بالعين ووضع بدلا منه قانون محبة الأعداء والصلاة لمن يسيء منهم، وليصبح الدعاء للعدو لا عليه منهج أولاد الله.

 بعد فداء الرب يسوع المسيح للبشرية جمعاء أعلن غاية رسالته أنه " يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون" (1 تي 2: 4). لقد وضع طريقاً لهذا الخلاص مبني على الغفران قائلا: " لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا." (مت 5: 39). فالذي قال هذا لا يمكن أن ينتقم ولا يطلب منا أن ننتقم وابتدأ بنفسه فكان لنا قدوة ومثالا. فلم يغفر لمن قتلوه فحسب، بل التمس لهم العذر وقال عنهم انهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لو 34: 23).

 هل رحمة الله لا تتفق مع عدله، حاشا فكما انه الحب والرحمة فهو العدل والعدالة، لكنه في عدله وبكامل مشيئته لا ينتقم بل يصبر على الخاطئ وقد قال عن نفسه، أنه بطيء الغضب وكثير الرحمة وطويل الأناة، غافر الآثام وكما علمنا الرسول بولس أن لطف الله وطول أناته إنما يقتادنا إلى التوبة (رو2: 4 ). الانتقام في العهد الجديد يُفهم بطريقة تختلف عن المفهوم البشري؛ فهو ليس اندفاعًا أو غضبًا عشوائيًا، بل يبقى هدف الله – كما أسلفنا – خلاص الإنسان.

 كتبت هذا يا أحبائي لأن فكرة انتقام الله تسربت إلى أولاد الله بكثرة في هذا الزمان وسواء اتفقت معي أو اختلفت فخلافنا لا يبطل ثبات المحبة، فبعد مقتل الرئيس السادات انتشرت مقولة إن الله انتقم منه لأنه مس الكنيسة والحقيقة، في رأيي، أنه هو من تسبب في إيذاء نفسه دون الدخول في تفاصيل. وبعد تنحي مبارك قال أحدهم كان هذا بسبب ما حدث في كنيسة القديسين! ومن أسبوعين اندلع حريق في إحدى مصانع البلاستيك في منطقة الدويقة بحي الزبالين، فقال أحدهم أيضا إنه انتقام السماء لأن صاحب المصنع من الذين كانوا ضد البابا توا ضروس في موقفه من أسقف المقطم.

أحبائي، المسيحية لا تعرف الانتقام ولا تعرف الدعاء على الناس، بل الدعاء لهم وغالبية المسيحيين يرددون عشرات المرات في يومهم، اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن للمذنبين إلينا وهي الصلاة التي سلمها لنا الرب يسوع بنفسه لذا فهي تحمل في داخلها قوة واضعها. وانا هنا لا ألغي فكرة أن الظلم يحزن قلب الله، وإن الظالم قد يجلب على نفسه العار وقد يرى نتائج ظلمه في الأرض ولكنها ليست من صنع الله فهو صانع الخيرات وانما بسماح منه لأنه ضابط الكل.

عزيزي، احترس لئلا تأخذ عمل الله ومكانه في الإدانة والحكم على الآخرين فإلهنا: " أنه لم يرسل ابنه (كلمته) إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم." (يو 3: 17). وهنا أتذكر الدعابة ذات المغزى العميق الذي قالها البابا شنودة حين سأله أحد ماذا يفعل المسيحي إذا حرق أحدهم الإنجيل فقال يشتري إنجيلا آخر. وقد يقصد، لا تلتفت لهذا ودع صاحب الإنجيل من يدافع عنه. لا تدعي على أحد بل كل ما عليك أن تفعله أن تصلي من أجله وتغفر له واضعا نصب عينيك كلمات الرب “وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضا زلاتكم" (مت 6 : 15 ). اغفر واترك الأمر برمته في يد الله وقل له ما يحسن في عينيك افعل.