ياسر أيوب
حين أنجبت زوجته الثانية طفلة جديدة فى ١٩٤٠ فى مدينة تينيسى الأمريكية.. قرر إيد رودولف العامل البسيط فى السكة الحديد تسميتها ويلما لتحمل رقم ٢٠ فى قائمة بناته وأبنائه.. ولم يتخيل الأب أو يتوقع ما ستنجح فيه ابنته ويلما حين تكبر.. فقد فوجئ الأب بابنته الصغيرة تصاب بالالتهاب الرئوى ثم الحمى القرمزية ثم شلل الأطفال وهى فى الخامسة من عمرها.. وعاشت ويلما معظم سنواتها الأولى فى فراش الفقر والعجز والألم.. وظلت حتى الثانية عشرة من عمرها عاجزة عن استخدام ساقها اليسرى.. ولمدة سنتين كانت ويلما تذهب مع والدتها بالأوتوبيس مرتين كل أسبوع لتلقى العلاج فى مدينة ناشفيل محاطة بنظرات الشفقة والرثاء فى عيون شقيقاتها وأشقائها.

ولم يكن والدها فقط الذى لم يتوقع لها أى مستقبل أو حياة.. ومثله كانت أسرتها كلها وأطباؤها وأساتذتها وزملائها فى المدرسة.. وحدها ويلما التى لم تيأس أو تستلم وحين بدأت استخدام ساقها اليسرى قررت أن تلعب كرة السلة فى المدرسة مثل شقيقتها إيفون.. ورآها مدرب لألعاب القوى اسمه إدوارد تيمبل وسأل عنها وقرر بعد قليل أن ويلما ستنجح جدا لو اختارت الجرى وليس كرة السلة.. وبعد تجاوز أوقات السخرية وقسوتها والتشكيك ومرارته.. بدأت ويلما تكتشف أنها تنسى عذاباتها وجروحها وأوجاعها فقط حين تجرى.. وظلت تجرى حتى تم اختيارها وهى فى السادسة عشرة من عمرها لتمثيل بلادها فى دورة ملبورن الأوليمبية ١٩٥٦ حيث فازت بميدالية برونزية.. وبعد أربع سنوات فى دورة روما.

فازت ويلما بثلاث ميداليات ذهبية وحطمت الأرقام القياسية وأصبحت أسرع امرأة فى العالم وأول رياضية غير بيضاء تفوز بثلاث ميداليات أوليمبية فى دورة واحدة.. وكانت وقتها بطلة أول قصة حب فى حياة محمد على كلاى الذى فاز مثلها بذهبية الملاكمة.. واستكملت ويلما بعد ذلك دراستها الجامعية وأصبحت مدرسة.. وخاضت ويلما صراعات كثيرة دفاعًا عن حق السود فى المساواة والعدالة.. وباتت نموذجًا يقتدى به الكثيرون فى تحدى العجز والظروف والأوجاع.. وربما لم تنل ويلما شهرة عالمية كبرى مثل لاعبات ولاعبين آخرين فى مختلف الألعاب.. ربما لأن أوج نجاحها كان فى زمن ليس فيه إنترنت وسوشيال ميديا.

لكنها تبقى أكثر رياضية أو رياضى فى التاريخ أصبحت حياتها وحكايتها مادة لأربعة عشر كتابا غير مذكراتها الشخصية التى نشرتها ١٩٧٧ وكتب للأطفال ليتعلموا من ويلما كيف يحلمون وكيف يقاومون الضعف والألم والسخرية وقسوة الآخرين.. وظلت ويلما تعمل وتحارب وتقاوم وترفض أى خوف واستسلام حتى اصيبت بسرطان المخ وماتت منذ ثلاثين عاما، وهى فى الرابعة والخمسين من عمرها.
نقلا عن المصرى اليوم