عادل نعمان
وذلك عن كتابه الجديد «فقه المواريث المقارن- من هدى القرآن والسنة»، وقد كان اللقاء بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، وبمناقشة كل من الأستاذ الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة الأسبق، والأستاذ الدكتور عبدالحى عزب، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، وأنا بصحبتهما الكريمة، وأدار المناقشة الإعلامى طارق علام، والدكتور سعد الدين الهلالى، مجدد من داخل المؤسسة الدينية، مما يجعل الأمر محرجًا للطرفين، فتعتبره المؤسسة خارجًا إذا حاول، وإذا جدد فإنه يرتب ما تحت يديه وفى حدود ما هو متاح ومفروض.
الكتاب جهد ممدوح فى نظام المواريث الذى ورثناه، والأهم عن المسكوت عنه من آراء فقهية معدلة، اجتهدوا قدر علمهم وجهدهم واختلفوا قدر ما سمحت لهم مساحة للتحرك، وقد كان ضيقًا حرجًا، إلا أننا لنا رأى آخر فى هذا الشأن.
ويخلص الدكتور فى كتابه إلى «أن آيات المواريث كسائر آيات القرآن هدى للناس، ومجال الاجتهاد فيها مفتوح لمن أراد أن يدلى بدلوه بحثًا عن الأفضل والأقوم وما فيه مصالح العباد»، ومع احترامى الكبير لجهد الدكتور سعد الهلالى، فإن المجتهدين فى تاريخنا الإسلامى، وهم كثر، لم يتقدموا خطوة واحدة نحو تغيير أو تعديل حكم واحد من أحكام المواريث، سواء بالتأويل أو الاجتهاد، مهما اشتد الأمر على الناس وتعسر عليهم تنفيذ الحكم، ومنها مثلًا «التعصيب» فمازال العم وأبناء العمومة يشاركون ميراث بنات الأب المتوفى، «إن لم يكن له ولد» بل يزيد أحيانًا عن حق البنات إن كنَّ أربعًا أو أكثر «رغم أن الولد فى اللغة هو مولود ذكر أو أنثى، ويصبح التفسير الأقرب للحقيقة إن لم يكن له ولد أو بنت «فيرثه الأخ والأقرب من الذكور»، والدليل أن الذكر فى القرآن منصوص عليه صراحة فى آية المواريث «للذكر مثل حظ الأنثيين»، فلماذا لا نعتمد ما جاء فى قواعد اللغة أن «الولد» ذكر وأنثى، فإذا غاب الاجتهاد فى مسألة واضحة بسيطة لقرون مضت فماذا عن المعقد من الأمور؟
وعن رأيه «أن وصف آيات المواريث بالقانون إساءة إليها وانتقاص من صفة هديها المقدس»، أوافقك الرأى يا سيدى خصوصًا أن الكثير من هذه الأحكام بات الناس يتهربون من تطبيقها بصورة أو بأخرى، فما كان مرفوضًا ومستنكرًا يومًا أصبحوا الآن يمدحونه بل يشددون عليه، حين كانت الناس تستنكر على الأب كتابة ما يملك لبناته فى حياته خشية مشاركة الأعمام وأولادهم الميراث واتهامه بتعطيل شرع الله، أصبح الآن مندوبًا ومحببًا بل يشددون على اتباع هذا حرصًا على مال وميراث البنات، بل يرى البعض أن فى بعض هذه الأحكام تفضيلًا للرجل فى المطلق عن المرأة، التى أصبحت تقاسم الرجل مشقة الحياة وتكاليفها وربما تزيد، فإذا تهرب الناس وتحايلوا على القانون وتماكروا عليه وراوغوه فإن الخلل والقصور يكون فى النص أو فى التطبيق وهما واحد، فكيف نسمى هذا التحايل وهذه المراوغة والمماكرة مع نص من عند الله؟.
وللدكتور سعد أيضًا قول مريح: «إن التعددية الفقهية هى حاضنة العقول المتنوعة»، وهو مقبول يا سيدى إذا كانت أمور الناس وواقعهم ووقائعهم قد وقفت بأحداثها ووقعها ودبيبها عند الماضى ولم تتغير أو تتبدل أو تتعقد، وهو أساس الأحكام عند نزولها، فقد كان الحكم مرهون بحدث بذاته وواقعة بذاتها «خصوصية السبب»، أما الآن فإن قدرات الناس على الخلاف واعتماد أكثر من رأى فقهى فى المسألة الواحدة بات محيرًا، حين يكون النص مطلقًا عن خالقه، نسبيًا لمن يستقبله، ثابتًا ومحددًا عند ناشئه، محيرًا عند متلقيه، ولا يجب أن يكون أمر الله كذلك، أما القانون فإنه مطلق ثابت عند أطرافه جميعهم!!.
ويخلص الدكتور إلى أنه «يمكن تقديم إصلاحات تشريعية فى أحكام المواريث»، وأشكر له هذا الرأى، وهذا ما ننادى به ونصر عليه، «فهل يعقل أن امرأة ليست مسلمة حين يموت زوجها المسلم لا ترث وقد قامت على خدمته سنين عدة فتتسول بعد موته؟»، وخد دى «بل هل يعقل أن تحرم زوجة المتوفى من معاشه إذا كانت غير مسلمة!، يا سيدى: نحن فى احتياج شديد لفهم أسباب نزول الحكم، وقد كانت لأسباب ووقائع زمانها ولشخوصها، فماذا عن مواقف ووقائع لم تحدث ولم تقع فى حياة النبى ﷺ وليس لها حكم؟ وخذ هذه الخاتمة.. كانت شروط الميراث عند العرب قديمًا، أهل الغزو، ثلاثة: الذكورة والبلوغ وحمل السيف للقتال، ويُحرم من الميراث غير هؤلاء، سواء كان رجلًا أو امرأة أو صغيرًا لا يشارك فى الغزو وصناعة المال، فلما جاء الإسلام راعى هذا، وقرر ميراث المرأة نصف الرجل، وهو الحد الأدنى لما يمكن قبوله عند الرجل العربى، وأنكروا هذا وطالبوا الرسول بتعديله، الأمر مختلف الآن، فإن المرأة تعول وتساهم كالرجال تمامًا».
وأعلن عن رأيى الشخصى على جهدك العظيم، فنحن مازلنا نناقش ما كان يناقشه الأوائل دون تقدم، نحن فى حاجة إلى دولة مدنية وقانون وضعى يساير رغبات الناس واحتياجاتهم وطموحاتهم، أكانت فى شريعة من الشرائع كلها أو حتى فى قوانين بلاد الوق واق.
«الدولة المدنية هى الحل».
نقلا عن المصرى اليوم