الأب رفيق جريش
ها وقد دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بعد طول انتظار ومناشدات دولية بوقف هذه الحرب. بذلت فيها مصر، بجانب قطر والولايات المتحدة وأطراف أخرى، جهودًا أقل ما توصف بأنها جهود فوق الطبيعة البشرية لمدة ١٥ شهرًا متواصلًا، أمام التعنت الإسرائيلى لعدم وقف القتال لحين الإفراج عن الرهائن. إلا أن هذه الحجة فشلت فشلًا ذريعًا لأن الرهائن تحرروا من خلال مفاوضات صعبة، والقتال المدمر الذى أودى بحياة ٦٠ ألف غزاوى وأكثر من ١٥٠ ألف مصاب أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ. فها هى إسرائيل تنهزم فى المعركة الأخلاقية أمام العالم لتبدو وكرًا للجرم الإنسانى وليس واحة سلام وديمقراطية كما قدمت نفسها فى العالم، ولكن الكذبة قد انكشفت. فى المقابل، نجد أن مصر، بكثير من الحكمة وضبط النفس مالت لصالح الإنسان سواء فى مفاوضات تحرير الرهائن الإسرائيليين أو الإلحاح بإرسال المساعدات الإنسانية، فكان الاتفاق ضرورة من أجل إدخال هذه المساعدات.

لقد أسهم الاتفاق فى إدخال المساعدات الإنسانية بمعدل أكثر من ٦٠٠ شاحنة يوميًا، نصفها سيذهب إلى شمال قطاع غزة، باعتباره منطقة منكوبة تعانى بشكل كبير. وبالتالى، فإن هناك حاجة لمزيد من المساعدات الإنسانية الدولية للشعب الفلسطينى فى ظل الأوضاع الصعبة التى يعيشها وانعدام كل مقومات الحياة بعد حرب شرسة دمرت كل شىء، المنازل والعمارات وخاصة المستشفيات تقريبًا كلها. كما أن تثبيت الاتفاق والالتزام بتنفيذ بنوده يمثل أهمية كبرى من أجل إعادة الحياة الطبيعية إلى قطاع غزة.

يعكس مشهد تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بعد بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، والفرحة الكبيرة من جانب الفلسطينيين، الجهود الكبيرة التى بذلتها مصر على مدى الشهور الخمسة عشر الماضية لتخفيف المعاناة عن الفلسطينيين، حيث شكل المسار الإنسانى أحد مسارات التحرك المصرى منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلى. وبلغة الأرقام، فإن ٨٧٪ من المساعدات التى دخلت إلى قطاع غزة هى مساعدات مصرية، عكست التلاحم بين الدولة والشعب المصرى ومنظمات المجتمع المدنى، وعلى رأسها التحالف الوطنى للعمل الأهلى ومبادرة حياة كريمة وغيرها، فى دعم الشعب الفلسطينى الشقيق. حيث تمثل مصر الداعم والسند الأول للفلسطينيين. كما سخرت مصر إمكاناتها، خاصة ميناء ومطار العريش، لاستقبال المساعدات العربية والأجنبية وإدخالها إلى القطاع عبر معبر رفح الذى شكل أيقونة وشريان الحياة للفلسطينيين داخل القطاع.

كما حشدت مصر دول العالم فى اتجاه زيادة المساعدات الإنسانية والضغط على إسرائيل لإدخالها وعدم وضع العراقيل أمامها. وهو ما توج فى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتبادل الرهائن والمحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين.

أخذت مصر على عاتقها العمل من أجل الإنسان والإنسانية، فهكذا تكون الحضارة. فالحضارة ليست بالهدم والدمار والقتل، ولكن الحضارة تكون لصالح الإنسان وبنائه وتنميته. فكانت حرب غزة فرصة ليشهد العالم لحضارة ورفعة المصريين.
نقلا عن المصري اليوم