كمال زاخر
الجمعة ٢٤ يناير ٢٠٢٥
نشرت عبر حسابى على موقع الفيسبوك، فيديو قصير، شاهدته لفتاة انتبهت لرجل مسن لا أحد يرعاه،  يُظهر ملامحه التى شكّلها العوز وفعل الزمن، وملابسه الرثة ووجهه الذى لم يعرف الطريق الى العناية الشخصية، فبدا وكأنه قادم من كهوف الجبال.

اعتنت به وقامت بكل ما كان بحاجة اليه من نظافة واغتسال وتهذيب شعره ولحيته واستبدال ملابسه فاسترد نضارته وانسانيته.

تفاجأت بالتفاعل الثرى والموجع بآن من متابعى ما اكتب أو انشر. الأمر الذى ذكرنى بأن الاهتمام بالمسنين والمحتاجين وبالأخص الذين ليس لهم احد يذكرهم والمنسيين كانت واحدة من الاهتمامات المصرية المجتمعية، على أرضية انسانية مصرية خالصة.

ترجمها المصريون فى القرن التاسع عشر وحتى النصف الأول من القرن العشرين فى انشاء جمعيات أهلية مهمتها انشاء وادارة دور رعاية لهم، بعضها اسسها اثرياء مصر وبعضها تشارك ابناء الطبقة الوسطى فى تأسيسها والاهتمام بها.

واسندت ادارتها الى اشخاص متبرعين متخصصين ومؤهلين، يؤمنون بها بوازع انسانى قبل ان يكون دينياً.

وكانت هذه الجمعيات بجوار غيرها التى تبنت رعاية الأطفال الإيتام أو المرضى أو الأسر الفقيرة أو رعاية الفئات الأكثر احتياجاً أو القرى الفقيرة صمام أمان مجتمعى يحول دون اضطراب المجتمع أو نشوء صراع بين طبقاته، وحالت بينه وبين تشكل التوجهات المتطرفة.

وهى نفس الحقبة الزمنية التى شهدت تعاظم ونمو ظاهرة الوقف الخيرى الذى يوجه ريعه لرعاية المؤسسات العلمية، مدارس ومعاهد وجامعات، والخدمية، ذوى الاحتياجات الخاصة أو طلبة المدارس والجامعات الفقراء، او غيرها من المشروعات الخدمية، مستشفيات ومدارس، والدينية ، مساجد وكنائس.
لا أعرف ما الذى - وايضاً من الذى - عطل نمو هذان التوجهان، العمل الخيرى المؤسسى والأوقاف بكل صورها.

وكيف اختطفت الأولى الى المربع الدينى انشاءً وتوجهاً ومستهدفين، وكيف وإدت الثانية وحوصرت ويتم تصفيتها تباعاً.

ارى ان هذه الخبرات المصرية وتجاربها التى اسهمت بشكل فاعل فى دعم وحماية المجتمع، وترجمت السلام الاجتماعى على ارض الواقع، قبل فرض السيطرة عليها من جماعات المصالح أو تحجيمها بأشكال ورؤى مختلفة، صارت بحاجة الى اعادة بعث، بما تملكه من قدرة على اطلاق سراح القيم المصرية من أسر التطرف ومن قيود البيروقراطية المتخوفة من العمل الاجتماعى الشعبى، الذى جرفته توجهات التسييس والعنصرية.

لا سبيل لهذا بغير مراجعة وفك القيود التى تحول دون انطلاق العمل الاجتماعى بحسب قواعده الانسانية التى لا تغازل السياسة أو التطرف ولا يُتَخذ منصات انطلاق لكلاهما.