حنان فكرى
حينما كنا صغارا علمونا أننا بناة الوطن, لقنونا الدرس ممزوجا بالعبر, علمونا أن صناعة الضمير استثمار طويل الأجل, ولا يمكن للضمير أن يتشكل في بيئة ضبابية, تختلط فيها القدرة علي الحفظ مع الفهم والإيمان, فتكون مكافأة الحفظ هي التفوق بالدرجات, وعقوبة الفهم بالروح بعيدا عن الصم هي الرسوب, ذلك الضباب خلقه القرار المفاجئ لوزير التربية والتعليم بإضافة مادة الدين للمجموع لتصل إلي 100 درجة من أصل 700, فتمثل حوالي 15% من درجات الطالب, تحت دعوي مواجهة التحديات الأخلاقية, مثل الإلحاد والمثلية! بالرغم من أن التاريخ يخبرنا بمؤمنين ألحدوا ورجال دين وقعوا في المثلية, فليقل أحدهم للوزير إن استخدام سلاح النجاح والرسوب وتديين التعليم لا يصنع الضمائر.
لا أعرف لماذا كلما تقدمنا خطوة نحو الدولة المدنية نعود إلي الخلف عشرات الخطوات, بسبب فكرة خطرت لمسئول يبررها بتبريرات غير منطقية, إن مبرر وزير التربية والتعليم بإضافة مادة الدين للمجموع بدعوي مكافحة الإلحاد والمثلية يحمل في طياته اختزالا فجا للقيم الإنسانية في معادلات عقابية ترسخ الخوف بدلا من الوعي, والإكراه بدلا من الإقناع. فهل تصبح المنظومة التعليمية ساحة لمعركة أفكار تدار بالدرجات؟ وهل يقاس الإيمان وأخلاقيات الفرد بورقة امتحان؟إن هذا التبرير لا يواجه الظواهر, بل يهرب منها إلي حلول سطحية تتجاهل جذور القضايا الاجتماعية والنفسية العميقة, كيف نكافح الإلحاد ونحن نصنف الطلاب في خانات ضيقة ترسخ الانقسام ؟ وكيف نواجه المثلية ونحن نخفق في غرس قيم التفاهم وقبول الآخر ؟ إن مثل هذه القرارات,إذا ما ألبست ثوب الدين, لا تصنع مجتمعا أكثر إيمانا, بل قد تنسج أجيالا تحمل التطرف كعباءة أخلاقية تنبذ المختلف وتستنزف الإنسانية في سبيل وهم الطهرانية.
وفي الوقت الذي نطالب فيه بوضع مادة مشتركة للأخلاق والمبادئ والقيم, يفاجئنا القرار بتدين العملية التعليمية, فماذا تنتظر يا سيادة الوزير من إضافة الدين للمجموع؟ هناك عدة أمور نطرحها لعلك تستطيع الإجابة عنها, أولا: ماذا ستفعل ولديك قطاع عريض من الطلاب-المسيحيين- ليس لهم مكان ولا مدرس متخصص لتدريسهم؟ يبحثون خلال حصة الدين عن فصل شاغر أو مكان في فناء المدرسة.
ثانيا: ماذا تنتظر من آلاف المدرسين غير المتخصصين الدين لا تعرف توجهاتهم أو أفكارهم, أو انتماءاتهم الأيديولوجية, وتعهد لهم بتدريس الطلاب- المسلمين- حتي لو كانت المناهج منضبطة؟ كيف يمكنك الحصول علي ضمان بنزاهة توجهات أولئك الذين في الكفور والنجوع والمناطق النائية؟ فالقائم بالتعليم هو من يملك الخطاب والتفسير داخل الفصول, ولأن التعليم هو الأب الشرعي للخطاب الديني, فهو القادر علي إنتاج خطاب معتدل يقبل الآخر, أو إنتاج خطاب تحريضي ينفي المختلف دينيا دون أن يظهر ذلك في ورقة إجابة الامتحان.
ثالثا: كيف سيتم التعامل مع مسألة المساواة فيما يتعلق بالطوائف المختلفة, هل سيتم إثقال الطلاب بمحتوي ديني غير متوازن مع عقيدته الراسخة في قلبه؟ فيتم تدريسه معتقدات طائفة تخالف عقيدته لمجرد أنهما شركاء في ملة واحدة؟ وإذا تمت مراعاة الفروق العقائدية, وركزت المناهج علي مسائل عقائدية أو فقهية, ما المكسب إذا لم يتم التركيز علي القيم الإنسانية المشتركة , كالتسامح والتعايش والسلام, فقد يؤدي ذلك إلي تنمية فكر إقصائي بدلا من التعايشي, وأين ومتي يمكن أن يحدث ذلك في ضوء تخصيص حصتين أسبوعيا, أي ساعة ونصف الساعة كل أسبوع؟ فهل ما ستزرعه المدرسة خلال حصتين سيواجهالإلحاد والمثلية؟!. إن الاهتمام المفاجئ بمادة الدين قد يؤدي إلي تصاعد الحس الطائفي, وإشعال الفتن بدلا من مواجهة الإلحاد, فعند إعطاء مادة الدين وزنا كبيرا في النظام التعليمي, قد يتحول التطبيق من التركيز علي القيم الإنسانية المشتركة إلي تعزيز الهوية الدينية الضيقة. هذا قد يؤدي إلي نظرة طائفية تفضل طلاب دين معين علي الآخرين, ما يعزز الشعور بالفوقية أو الاضطهاد المتبادل.
كما أن غياب الفكر النقدي في دراسة الدين, قد يصنع متطرفين, فالعلم مبني علي التفكير النقدي, والدين مبني علي الإيمان, وإذا لم تقدم المناهج بأسلوب يعزز التفكير النقدي, فقد يتم تلقين الطلاب رؤي جامدة, مما يحد من قدرتهم علي التفاعل بمرونة مع التنوع الفكري والديني, كما أن التعليم القائم علي الحفظ والتلقين قد يؤدي إلي تطرف فكري يتمثل في رفض الآخر المختلف. وهكذا يتم خلق بؤر جديدة لحساسيات ذات طابع طائفي, فنصل إلي محطة لا رجوع منها وبدلا من التركيز علي القيم والأخلاقيات, نكون قد أسسنا مصانع لإنتاج المتطرفين.
إدخال الدين في المجموع يخلق بيئة تنافسية تعتمد علي التفوق في الدين, ما يعزز الإحساس بالتفوق أو الدونية علي أساس ديني, مع وجود فروق شديدة في الطبيعة اللغوية للكتب السماوية, ما قد يمنح بعض الطلاب فرصا أوسع من غيرهم بسبب الفروق اللغوية والمحفوظات.
نقلا عن الوطن