طارق الشناوى

أنتونى هوبكنز، النجم العالمى، الممثل الذى لا يُبارَى، يقترب من نهاية العقد التاسع من عمره، إلا أنه لا يزال أحد أهم عناوين فن الأداء فى العالم، متمتعًا بلياقة ثلاثية الأبعاد، وجدانية وفكرية وأيضًا جسدية.

 

«الحياة حلم» مقطوعة موسيقية من عدة أجزاء، سعدت بها، قبل ساعات، على المسرح، من خلال الفرقة الموسيقية الملكية. تمنح المتابع إحساسًا عميقًا، يعيشها ويقرؤها، تعبر عن حلم الحياة، مستشهدًا بقول الفيلسوف إدجار ألان بو: (كل ما نعتقده أو نعيشه هو حلم داخل حلم).

 

هوبكنز، صاحب جائزتى أوسكار (صمت الحملان) و(الأب)، قبل نحو العام، حصل على جائزة إنجاز العمر فى «جوى أوراد»، وهذه المرة يُتوج من رئيس هيئة الترفيه، المستشار تركى آل الشيخ، بدرع، بعد انتهاء العرض الذى قدمه على نفس المسرح بكر شدى.

 

أشار هوبكنز، فى كلمته، إلى أنه سعيد بأن تُقدم تلك المعزوفة على أرض البلد، الذى شهد ميلاد الرسالة المحمدية، وتمنى أن يعيش العالم كله فى سلام. الموسيقى وفن أداء الممثل تبدو نظريًّا بعيدة، إلا أن حقيقة الأمر هى أن السينما والموسيقى وجهان لعملة واحدة. الموسيقى كما أراها هى عمق كل الفنون، وعلى رأسها آخر العنقود، فن السينما.

 

ستكتشف أن السينما الصامتة، منذ بدايتها- نهاية القرن التاسع عشر- والموسيقى داخل دار العرض مصاحبة للشريط الصامت، فتمنحه حياة. قال الفيلسوف شوبنهاور: كل الفنون ترنو لكى تحاكى الموسيقى، أنت تجد الموسيقى فى اللوحة والرواية والتمثال، الموسيقى بمعناها العميق، الذى يمزج بين الانسياب والهارمونية.

 

فى الماضى بمصر كان معهد الموسيقى يحمل اسم «معهد الموسيقى المسرحية». أنتونى هوبكنز، بريطانى الجذور، خريج الكلية الملكية الويلزية للموسيقى والدراما، وهو ما يؤكد التلاقى بين الدراما والموسيقى.

 

كبار الفنانين لديهم تلك الومضة الخاصة، ولا أقصد بالكبار العمر الزمنى، ولكن الكبار فى إدراكهم سلاح التعبير الموسيقى.

 

لديكم من الرواد يوسف وهبى فى أداء الحوار له عمقه الإيقاعى، كما أنه يمتاز بالتنوع، بينما نجيب الريحانى لديه النغمة الجسدية أعلى. أحمد زكى تلمح موسيقاه فى أداء يديه. سعاد حسنى فى نظرات عينيها أنغام متعددة.

 

نجما الكوميديا فؤاد المهندس وسمير غانم هما الأكثر تعبيرًا عن تحول الجسد إلى نغمة موسيقية. تابعهما على المسرح، ليس أثناء أداء أغنية أو اسكتش، ولكن فى الحركة واللفتة وطريقة السير على الخشبة تجد كلًّا منهما وكأنه «آلة قانون» مضبوطة الأوتار، عدد الأوتار يصل إلى 78 وترًا، وهو اسم على مسمى لأنه هو الذى يضع قانون الفرقة الموسيقية، وفى الغالب يقودها عازف القانون مثل عبده صالح، قائد «فرقة أم كلثوم»، وأحمد فؤاد حسن، قائد الفرقة «الماسية»، وهى الأكثر شهرة فى تاريخ الغناء المصرى. ليست مصادفة أن كاتبنا الكبير نجيب محفوظ تعلم العزف على القانون، وله تسجيل شهير على «يوتيوب» لأنه كان مؤمنًا بسيطرة الموسيقى على المفردات اللغوية، وهو من أكثر كُتاب الرواية الذين تسمع وأنت تقرأ كلماتهم روح الموسيقى فى التناول السردى، وعلى نفس الدرجة يقف يحيى حقى. قطعًا، جبران خليل جبران، فى كل كتاباته النثرية، تلمح سيطرة الموسيقى، وهو ما تجده متوفرًا فى مقالات كامل الشناوى وأنيس منصور وسناء البيسى.

 

 

من أكثر كُتاب السياسة عشقًا للإيقاع واستخدام تفعيلة الشعر فى المقال محمد حسنين هيكل، بينما فى الكتابة الدرامية وحيد حامد وأسامة أنور عكاشة. تلمح تلك المعانى على مستوى الصورة مع المخرجين يوسف شاهين وحسن الإمام وشادى عبدالسلام وداوود عبدالسيد وشريف عرفة. فى ليلة أنتونى هوبكنز «الموسيقية»، تعايشت مع تلك الأفكار. الرجل لا يتحرك أمام الكاميرا بنغمة وإيقاع، ولكن فى عمق فن أدائه جمل موسيقية كامنة، استمتعنا بها هذه المرة، قبل ساعات، فى واحدة من مفاجآت «موسم الرياض»!.

نقلا عن المصرى اليوم