الراهب القمص بطرس البرموسي
في مطالعتنا لصفحات الكتب الكثيرة نجد العديد عما كتب عن التجسد الإلهي وضرورته، إثبات حقيقة التجسد وضرورته للفداء المقدم للبشرية جميعًا، وكثيرًا ما كتبت المقالات عن ذلك، ونجن في احتياج إلى المزيد وخاصة في فترة الاحتفال بأعياد الظهور الإلهي، لذلك أردت أن أورد للقارئ العزيز بعض فقرات للقديس كيرلس الكبير في تألقه المعتاد في شرح التجسد وإثباته لألوهية الابن الوحيد، فنجده في كتاباته يثبت ذلك وإنه واحد مع الآب في الجوهر الإلهي وذلك من خلال استخدامه لعدة آيات نذكر منها: "ولما قال هذا نفخ وقال لهم: «اقبلوا الروح القدس" (يو20: 22).
هذه الآية إذا كانت تبدو انها تتكلم عن الروح القدس ولكنها تثبت ألوهية الابن، فهو المانح الروح القدس لتلاميذه، وتبين أيضًا عمله الخلاصي فينا... يقول (المخلص بعد قيامته من بين الأموات جدد لنا نعمة الروح القديمة حين نفخ في التلاميذ قائلًا "اقبلوا الروح القدس"، وفى موضع آخر يقول عن نفس الآية مستخدمًا إياها في إيضاح ألوهية الابن المتجسد من خلال عمله فينا فيقول (كذلك أعاد المخلص تجديد الإنسان إلى "حسب الصورة"، ولذلك نفخ في تلاميذه قائلًا "اقبلوا الروح القدس" وإذًا فالذي يملك التجديد لابُد وأن يكون قديمًا.
وبالتالي فإن إكمال التشبه بجوهر الله يُمنح للإنسان بواسطة شركة الروح، لأنه ليس بمجرد أفكار خلق الله التشبه بذلك، لكن طالما أخذنا روح الابن، نحصل على شكل الله)، ومن هنا يخلص إلى النتيجة التالية متسائلًا (إذن كيف لا يكون الابن مثل الآب بحسب الجوهر وهو الذي يمنح لنا ايضًا إمكانية أن نحصل على صورة الله؟
وفى موضع آخر يقول عن الابن انه (هو مصدر القداسة، فهو يقدس التلاميذ قائلًا: خذوا الروح القدس، وهو ذات ما يفعله الآب ايضًا). وهنا ايضًا يوجه تساؤل استنكاري للذين ينكرون ألوهية الابن فيقول: (فإذا كان لدى الابن سلطان وقوة مساوية للآب للتقديس فكيف لا يكون متماثلًا معه تماثلًا حقيقيًا)، ومن ذلك نفهم إنه: لو لم يكن الابن إلهًا لما استطاع أن يهبنا روحه القدوس الذي يفعل فينا هذه الأفعال الإلهية.
ونخلص مما سبق لقاعدة هامة وهي (إن الفعل الإلهي لأحد أقانيم الثالوث يثبت ألوهيته لأنه يعطينا شركة الأقنوم الآخر). "اذًا ان كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الاشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدا" (2كو5: 17)
لقد ذكر القديس كيرلس هذه الآية ردًا على من ادعوا أن الانسان قد خلق على صورة النعمة وليس على صورة الله، ضاربين بآيات الكتاب عرض الحائط فيقول (إن في البداية خلق الكائن الحى الذي صنعه الله وكرمه بطريقة ما عندما خلقه بيديه كما يقول الكتاب في (تك2: 7)، وعندما جاء إلى الوجود، صار على صورة الله حيث انه قبل في داخله نفخة الحياة، لكنه عندما رفض هذه العطية وانعطف نحو الشر، فإنه عاد مرة اخرى إلى وضعه القديم، وعندما جدد المسيح تلك الصورة التي فسدت، جاعلًا إياها إلهية وروحية استخدم نفس الطريقة الأولى لأنه نفخ في وجوه التلاميذ القديسين قائلًا "اقبلوا الروح القدس"، أم أنك لا تعتقد أن من هو متحد بالمسيح ليس هو خليقة جديدة؟!
والسؤال الاستنكاري هنا، موجه للذين ينكرون ألوهية الروح القدس ويزعمون أنهم يعترفون بربوبية الابن المتجسد، لأنهم لو كانوا بالفعل يؤمنون بالابن فلابُد أن يؤمنوا بالروح القدس بناء على قول السيد المسيح لتلاميذه "اقبلوا الروح القدس"، فهو يعطيهم الروح القدس كون الروح القدس هو الله وليس مجرد نعمة من الله، وعمل الروح فينا كونه هو الله هو أن يجدد الطبيعة التي فسدت.