القمص يوحنا نصيف
    + من أجمل الكلمات التي نردّدها يوميًّا في صلوات الأجبية، أنّنا نَصِفُ المسيح بأنّه الداعي الكلّ إلى الخلاص لأجل الموعِد بالخيرات المنتَظَرة.

    + عندما بشّر ملاكُ الربِّ الرعاةَ بعدَ وِلادة ربّنا يسوع المسيح مباشرةً في بيت لحم، قال لهم: "هَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ" (لو2: 10-11). ومعظمنا يعرف أنّ اسم يسوع يعني "الله يُخَلِّص"، لذلك فإنّ أبرز وأهمّ عمل أتى به لنا الله الكلمة المتجسِّد هو "الخلاص".. وهذا هو سرّ فرحنا في الاحتفال بعيد ميلاد ربّنا يسوع؛ أنّه وُلِدَ لنا مُخَلِّص.

    + عمل الخلاص للبشريّة الواقعة تحت الفساد والعبوديّة والموت، يَشمَل الشفاء من فساد الجسد، والتحرير من عبوديّة الشيطان، والحياة الجديدة الغالبة للموت.
    + أيضًا تعود الملائكة لتكشف لنا سِرًّا آخَرَ عن ظهور الله في الجسد، فعندما تحدّث الملاك ليوسف في الحلم قال له: "يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ" (مت1: 20-21) وهنا الخلاص من الخطايا يُعنِي غفرانها والتحرُّر من أثقالها ورباطاتها وعبوديّتها المُرَّة..

    + يُحَدِّثنا القدّيس بولس الرسول، في كلمات مُرَكَّزة جدًّا، تقرأها لنا الكنيسة في قدّاس برمون الميلاد، قائلاً: "لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ" (غل4: 4-5).. فابن الله قد جاء لكي يخلِّص الذين كانوا في وضع العبوديّة، وينتقل بهم لمستوى البنوة لله إذ يتّحِدون به، فيتمتّعوا بحُرِّيَّة مَجد أولاد الله (رو8: 21).

    + إنه يدعو الكلّ إلى الخلاص، من خلال الاتّحاد به.. يدعو كلّ الفئات والشعوب والأمم واللغات، وقد وُلِدَ في مِذوَد مفتوح لكي يستطيع الكلّ أن يأتوا إليه، ويلتقوا به بلا مانع؛ فيؤمنوا ويتمتّعوا به كمخلِّص؛ ليس بأحد غيره الخلاص (أع4: 12).

    + لو كان قد وُلِدَ في قَصر كمَلِك، أو حتّى في بيت عادي، لكان من الصعب أن يلتقي به كلّ الناس، مع وجود أبواب مُغلقة، وحراسات مكثّفة، وترتيبات للمقابلة.. لكنّه حرص أن يولَد في مكان مفتوح يستطيع كلّ إنسان أن يحضِر إليه ويراه ويسجد له ويتمتّع بخلاصه.. وهو حتّى الآن متاح للجميع، بل ونستطيع أيضًا أن نُحضِر معنا أيّ إنسان للقائه، فهو الداعي الكلّ إلى الخلاص!

    + الخُلاصة أنّ المسيح المولود هو الداعي الكلّ إلى الخلاص، ومَن يُقبِل إليه لا يُخرِجُه خارجًا (يو6: 37)، بل يَضُمّه إلى أحضانه المفتوحة، ويغرسه ويثبّته فيه كعضو حيّ في جسده، كما يوضِّح لنا القدّيس بولس الرسول وهو يتحدّث عن عضويّتنا في جسد المسيح، فيقول أنّنا جَمِيعَنَا "اعْتَمَدْنَا إِلَى (داخل) جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا، وَجَمِيعُنَا سُقِينَا (بالميرون) رُوحًا وَاحِدًا" (1كو12: 13).

    + وأخيرًا.. نُلاحِظ أنّ المخلّص قد اختار صورته كذبيحٍ فاتح أحضانه على الصليب، لتكون هي الأيقونة الخالِدة القائمة دائما أمامنا، يَدعُونا فيها للخلاص، ويؤكِّد هذا إشعياء في نبوءته العجيبة، إذ يقول: "التفتوا إليه واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض". (إش٤٥: ٢٢).. فأحضانه لا تزال مفتوحة تدعو الكلّ إلى الخلاص، إذ هو "يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (1تي2: 4).

    ها أنا أُبَشِّركم بفرح عظيم.. وُلِدَ لكم اليوم في مدينة داود مُخَلّص هو المسيح الربّ.
القمص يوحنا نصيف