طارق الشناوى
فى برنامج (ليك لوك) تقديم عمر متولى، سأل ضيفه أحمد فتحى، عن النجومية، فقال فتحى: «العديد من نجوم السينما لم يمتلكوا موهبة التمثيل». يلتقط الخيط عمر ويقول فيه مواهب (مبططة) مثل شكرى سرحان، ورغم ذلك أصبح نجم شباك و(جان) محققا نجاحا طاغيا.
يجب أن نضع خطا بين حق الإنسان- أى إنسان- فى إبدأ الرأى، وبين هل الرأى صائب أم خائب؟، قطعا من حق أى مواطن مهما بلغ موقعه، الإدلاء برأيه فى كل أمور وشؤون الدنيا السياسية والاقتصادية والفنية، حتى لو كانوا من القمم مثل أم كلثوم وعبد الوهاب وفيروز وعبد الحليم ويوسف وهبى ونجيب الريحانى وشكرى سرحان ورشدى أباظة وعادل إمام وغيرهم، عندما تشترى شريطا فنيا أو تقطع تذكرة سينما، هذا أيضا بمثابة رأى لك يجب أن نحترمه، لا نصادره ولكن بطبيعة الحياة من حقنا أن نختلف معه، دون أن نعتبر أن رأيك السلبى فى أى فنان انتقاصا من قيمته، ونوجه لك سؤالا مباشرا: من أنت؟.
ليس مطلوبا منك أن تصبح خبيرا لكى يسمح لك بإبداء رأيك، أنت هنا تعبر فقط عن قناعاتك الشخصية.
نظريا لم يخطئ عمر فى توجيه السؤال لفتحى، أراد فتحى إجابة عامة مطلقة حتى يريح ويستريح، لأنه ربما مدرك المخاطر التى سيواجهها، لو ذكر اسما بعينه، إلا أن عمر ضرب مباشرة مثلا بشكرى سرحان، قطعا أنا أعذر عشاق شكرى وأيضا عائلته، فمن البديهى أن يغضبوا، ولكن علينا ألا نخلط الأوراق، حق الاختلاف وارد قطعا.
الفنان الكبير شكرى سرحان فى مرحلة الخمسينيات بداية وهج التألق، كان أحد أهم النجوم الذين أثروا فى الشارعين المصرى والعربى، قميص شكرى الذى كان يتعمد (تشميره)، بالمناسبة لا أدرى مدى صحة هذا التعبير لغويا إلا أننا لا نزال نستخدم فعل (التشمير)، ارتبط بشكرى سرحان، بهذا القميص الذى صار موضة عند الشباب، وذلك من فرط حبهم لشكرى سرحان فهو قطعا نجم بكل المقاييس، فحدث هذا التماهى والتوحد مع شباب ذلك الجيل.
فى عام 1996 أقام الأستاذ سعدالدين وهبة استفتاء أفضل 100 فيلم من خلال مهرجان (القاهرة السينمائى الدولى)، حظى شكرى بالمركز الأول، فهو أكثر نجم بين كل الكبار احتلت أفلامه قائمة الأفضل فى تاريخ السينما، يقترب الرقم من 20 فيلما.
وبالطبع لم يأت هذا من فراغ ولكن لأن شكرى كان هدفا لكبار المخرجين أمثال صلاح أبوسيف ويوسف شاهين وكمال الشيخ وعاطف سالم وتوفيق صالح وغيرهم، هؤلاء مؤكد وجدوا فى شكرى إمكانيات خاصة أشعلت بداخلهم وهج الإبداع، هل تتخيل مثلا فيلم (البوسطجى) لحسين كمال بدون شكرى، أو (اللص والكلاب) لكمال الشيخ ودور (سعيد مهران) السفاح بعيدا عن شكرى، فيلم مثل (شباب امرأة)، لصلاح أبوسيف، رشحوا أكثر من نجم لصلاح مثل عمر الشريف، إلا أنه قال لهم إن شخصية الريفى الساذج (إمام) لا يوجد من يؤديها أروع من شكرى، بالفعل، كان (إمام) واحدا من أهم الأدوار ليس فقط فى تاريخ شكرى سرحان، ولكن فى تاريخ فن أداء الممثل طوال تاريخ السينما المصرية.
شكرى كتكوين شخصى كان يقدر كل زملائه الأكبر منه الذين بدأوا المشوار قبله، مثلا عندما التقى مع كمال الشناوى فى (اللص والكلاب) قال لهم اسمى يأتى بعد كمال الشناوى، لأن كمال سبقنى فى النجومية، رغم أن شكرى دراميا هو الشخصية المحورية، إلا أن شكرى فى حديث تليفزيونى سألوه عن الفارق بين نجوم الزمن الذين عاصرهم ونجوم زمن التسعينيات، قال بحسرة: يأتون إلىّ غرفتى فى الاستديو قائلين شرف كبير يا أستاذ أن نعمل معك، ثم أكتشف أنهم تواصلوا مع المنتج من أجل أن يسبقونى على (التترات)!!.
شكرى لديه رصيد ضخم من النجاحات المتتالية كممثل عتويل، ولو سألونى من هو الفنان الذى يفتقر للقدرة على فن الأداء ورغم ذلك حقق نجومية؟، ستأتى إجابتى كنموذج صارخ حسين صدقى.
ورغم ذلك يظل من حقك أن تختلف معى فى هذا الرأى، ولكن ليس من حقك المصادرة، كان مفيد فوزى، يقول دائما أنا (فيروزى) المزاج ولست (كلثومى) الهوى، وغضب كثر، خاصة من المصريين، أخذوها أنها ضد الوطن، رغم أنه رأى فنى بحت. فى التسعينيات قال عادل إمام فى أحد اللقاءات إن نجيب الريحانى لا يضحكه، وهوجم أيضا بضراوة، عبد السلام النابلسى مع الراحلة العظيمة ليلى رستم، قال إن فيروز صوت مصنوع، وتلقى هجوما منقطع النظير، وألقى قصيدة فى نهاية البرنامج كله إشادة بفيروز.
نحن أسرى دائما آراء قاطعة نتوارثها ونكررها ونرفض الخروج عليها، الفن وتذوقه يسمح دائما بتلك المساحة من الاختلاف، تقف على الشاطئ الآخر مع بعض الآراء، ولكن فقط علينا ألا نشهر سلاح التجريم أو التحريم، أو نسألهم من أنتم؟؛ لأنهم كحد أدنى مواطنون، يعبرون عن مشاعرهم، وهو حق تقره وتصونه كل قوانين حقوق الإنسان فى الدنيا!!.
نقلا عن المصرى اليوم
